11 يونيو 2025
في مشهد متأزم يضرب قلب مدينة لوس أنجلوس، أعلنت العمدة كارين باس حالة الطوارئ المحلية، في قرارٍ وُصف بالدراماتيكي لكنه يعكس عمق الأزمة التي تعيشها المدينة هذه الأيام. فلم تعد الأصوات الغاضبة في الشوارع مجرد احتجاجات، بل تحولت إلى موجة متصاعدة من الغضب الشعبي، امتدت كالنار في الهشيم، لتتجاوز حدود التظاهر السلمي وتدخل في طور الفوضى، التخريب، والنهب.
ومن أجل استعادة بعض النظام وسط هذه الفوضى، أصدرت باس قرارًا بفرض حظر تجول في وسط المدينة، يبدأ من الساعة الثامنة مساءً وحتى السادسة صباحًا. ووفق ما نقلته شبكة "إن بي سي نيوز"، فإن هذا الحظر يشمل منطقة تُقدّر بميل مربع واحد، في قلب العاصمة الاقتصادية والثقافية لولاية كاليفورنيا. كما ناشدت العمدة جميع من لا يسكنون تلك المنطقة بتجنبها، حفاظًا على سلامتهم ومنعًا لتفاقم الأمور.
حالة الطوارئ هذه جاءت كرد فعل مباشر على الأحداث المتسارعة التي باتت تشتعل في شوارع لوس أنجلوس منذ خمسة أيام متتالية، حيث تشهد المدينة تظاهرات واسعة، سرعان ما تحولت إلى أعمال شغب ونهب وتدمير للبنية التحتية، احتجاجًا على ما اعتُبر ممارسات تعسفية وغير إنسانية من قِبل إدارة الهجرة الأمريكية، والتي نفذت عمليات اعتقال جماعية طالت المهاجرين في المدينة.
وامتدت هذه الاحتجاجات، التي اندلعت شرارتها الأولى يوم الجمعة الماضي، إلى معظم أنحاء ولاية كاليفورنيا، ولم تقتصر على لوس أنجلوس وحدها، بل سرعان ما اجتاحت ولايات أمريكية أخرى، لتتحول إلى موجة وطنية من الغضب. وقد تركزت الاحتجاجات بشكل خاص أمام المباني الفيدرالية ومراكز احتجاز المهاجرين، حيث حمل المتظاهرون لافتات تُدين سياسات الإدارة الحالية، ويطالبون بالعدالة والحرية للمحتجزين.
ومع تصاعد التوتر، لجأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إجراءات أكثر صرامة، حيث أمر بنشر 2000 عنصر من الحرس الوطني، إضافة إلى 700 من عناصر مشاة البحرية، في محاولة لفرض السيطرة وإعادة النظام إلى الشوارع. خطوة أثارت جدلًا واسعًا، واعتُبرت من قبل معارضي الرئيس بمثابة "عسكرة مفرطة" للحياة المدنية في لوس أنجلوس.
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، إذ حاول حاكم ولاية كاليفورنيا رفع التماس عاجل أمام المحكمة للحصول على أمر قضائي يمنع الحكومة الفيدرالية من نشر قواتها بهذه الصورة المكثفة. غير أن القاضي رفض إصدار أمر فوري، مكتفيًا بتحديد جلسة استماع في وقت لاحق للنظر في تفاصيل القضية.
على الأرض، كانت التظاهرات تدخل مرحلة أكثر عنفًا ودراماتيكية. ففي ساعات النهار، اندفعت مجموعة من المتظاهرين نحو الطريق السريع 101، أحد الشرايين الحيوية في المدينة، واقتحموه مما أدى إلى توقف حركة المرور بشكل كامل في كلا الاتجاهين. حاولت قوات شرطة لوس أنجلوس احتواء الموقف، وتمكنت بالفعل من إعادة فتح الطريق في أحد الاتجاهين، فيما بقي الاتجاه الآخر مغلقًا حتى إشعار آخر، حسب ما نقلته مجلة "نيوز ويك".
وفي خضم هذا الغليان، خرج الرئيس ترامب بتصريحات مثيرة للجدل، زاعمًا أن المتظاهرين في لوس أنجلوس يحملون أعلامًا أجنبية، في ما وصفه بـ"غزو أجنبي"، وهي تعبيرات أثارت سخطًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والإعلامية. ولم يتوقف عند هذا الحد، بل اتهم حاكم كاليفورنيا وعمدة لوس أنجلوس بشكل مباشر بأنهما يدعمان هؤلاء المتظاهرين، بل ويقومون بتمويلهم، واصفًا إياهم بـ"المحرضين والمتمردين ومثيري الشغب".
وبينما تتسابق الجهات المعنية على الأرض في محاولات متباينة لإعادة الهدوء، يبقى الشارع ملتهبًا، تتردد فيه أصوات الغضب الممزوجة بالخوف، وتبقى المدينة معلقة في انتظار مآلات هذه الأزمة التي قد تُسجل في التاريخ كواحدة من أكثر اللحظات حرجًا في العلاقة بين السلطة والمجتمع المدني في الولايات المتحدة