مع كل إشراقة من شهر ذي الحجة، تتجدد الفرصة الإلهية التي لا تُعوض، حيث تُفتح أبواب السماء، وتُضاعف فيها الحسنات، وتتنزل الرحمات. إنها الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، التي وصفها العلماء بأنها أعظم أيام الدنيا، لما تحمله من فضل وبركات، فهي موسم للطاعات والخيرات، لا يقتصر على الحجاج وحدهم، بل هو مفتوح لكل مسلم في أي بقعة من الأرض.
30 مايو 2025
مع كل إشراقة من شهر ذي الحجة، تتجدد الفرصة الإلهية التي لا تُعوض، حيث تُفتح أبواب السماء، وتُضاعف فيها الحسنات، وتتنزل الرحمات. إنها الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، التي وصفها العلماء بأنها أعظم أيام الدنيا، لما تحمله من فضل وبركات، فهي موسم للطاعات والخيرات، لا يقتصر على الحجاج وحدهم، بل هو مفتوح لكل مسلم في أي بقعة من الأرض.
عظمة العشر من ذي الحجة: قَسَمٌ إلهي وعملٌ يتفوق على الجهاد
أول مظاهر عظمة هذه الأيام يظهر في قول الله تعالى :
﴿ وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [ الفجر: 1-2 ]، حيث فسّر جمهور المفسرين، ومنهم ابن كثير، أن المقصود بـ"الليالي العشر" هي عشر ذي الحجة. ويُعد القَسَم من الله دليلًا على تعظيم هذه الأيام، إذ لا يُقسم الله إلا بعظيم.
ويؤكد النبي محمد ﷺ فضل هذه الأيام بقوله :
" ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام "، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال :
" ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" ( رواه البخاري ).
وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن العمل الصالح في هذه الأيام يسبق الجهاد في الفضل، لما فيها من اجتماع للطاعات.
اجتماع العبادات: سر التميز
الإمام ابن حجر العسقلاني علل فضل العشر بقوله : "الذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، اجتماع أمهات العبادة فيها: الصلاة، الصيام، الصدقة، والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها."، وهي ميزة لا توجد في أي وقت آخر من السنة.
يوم عرفة : ذروة العطاء الإلهي
أما يوم عرفة، تاسع أيام ذي الحجة، فهو يوم تتجلى فيه أعظم معاني الرحمة والغفران. ففيه نزل قوله تعالى :
﴿ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ [ المائدة: 3 ] ، وهو اليوم الذي وصفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلاً: " نزلت في يومٍ نعلمه ومكانٍ نعلمه، نزلت على النبي ﷺ وهو واقف بعرفة ."
ولمن لم يحج، يبقى صيام يوم عرفة من أعظم القربات، إذ قال النبي ﷺ :
" صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده" ( رواه مسلم).
ولا يُنسى أن يوم عرفة هو يوم العتق الأكبر، حيث قال ﷺ :
" ما من يومٍ أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة "، كما يُباهي الله الملائكة بعباده الواقفين على صعيد عرفات.
أحب الأعمال في العشر الأوائل: سباق إلى الأجر
في هذه الأيام، تتنوع أبواب الخير، وأبرزها :
الصلاة : أداء الصلوات في وقتها، والإكثار من النوافل.
الصيام : مستحب في الأيام التسع، وخاصة يوم عرفة، وقد ورد عن زوجات النبي ﷺ أنه كان يصومها.
الذكر والتكبير : ورد في القرآن
﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [ الحج: 28 ]، وقال ابن عباس إنها أيام العشر. والتكبير يبدأ من أول ذي الحجة حتى عصر ثالث أيام التشريق.
الصدقة: فضلها عظيم، وقد قال النبي ﷺ :
" الصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار."
قراءة القرآن : من الذكر، وأعظم القربات.
الحج والعمرة : لمن استطاع، فهما من أجلّ الأعمال.
الأضحية: عمل محبوب إلى الله، كما في قوله تعالى :
﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [ الكوثر: 2 ] ، وقال ﷺ :
" ما عمل ابن آدم يوم النحر أحبّ إلى الله من إراقة دم ."
فرصة العمر لا تُهدر
إن العشر الأوائل من ذي الحجة تمثل فرصة ربانية قد لا تتكرر. وصدق ابن القيم حين قال :
" فيا غافلًا عن هذه العشر، وقد أقسم الله بها، لا تُضيّعها كما ضيّعت غيرها، فلعلها لا تعود ."
في زمن تتزاحم فيه المشاغل وتكثر فيه الفتن، تبقى هذه الأيام ملاذًا للروح وفرصةً للتطهر، لمن شاء أن يتزود لآخرته، وينال رضا ربه.