01 مايو 2025
بينما ينشغل البعض بتأويل المعارك المجتمعية من زواياهم الضيقة، ويتسابق آخرون لصنع بطولات زائفة من خلف الشاشات، كانت هناك أم تخوض معركتها الحقيقية في صمت. لم تبحث عن شهرة، لم تلهث خلف "تريند"، بل سعت فقط لحماية طفلها واسترداد حقه المسلوب.
"أم ياسين" لم تكن مجرد والدة؛ بل كانت حائط الصد الأول في وجه نظام معقد ومجتمع متواطئ أحيانًا ومتخاذل كثيرًا. منذ عام كامل وهي تناضل لإثبات حق صغيرها، ولتحقيق العدالة في جريمة اغتالت براءته. لم تسمح لألمها بأن يتحول إلى نداء فارغ، بل جعلت منه قضية حقيقية، واجهت بها الفساد والسلطة والجهل والخوف.
رفض قسم الشرطة تحرير محضر، فواجهت. تجاهلت المدرسة شكوى ابنها، فصمّمت. لم تكتفِ بالكلام، بل وثّقت كل خطوة قانونية؛ جمعت الأدلة، صورت موقع الحادث، وقدمت شهادات حية. وبفضل وعيها وثباتها، تحوّل توصيف التهمة من "هتك عرض دون قوة" إلى "هتك عرض باستخدام القوة والتهديد".
قد لا يعرف كثيرون ما عانته هذه الأم، لكنها اليوم باتت تمثل نموذجًا نادرًا للأمومة الواعية التي لا تستسلم. نموذج لأم تفهم معنى الدعم النفسي، وتحمل في داخلها عقل المثقف وشجاعة المحارب.
ويبقى السؤال:
كم "أم ياسين" في مجتمعنا؟
كم أم تملك هذا الوعي، وهذه القوة، وهذه البصيرة؟
هل تسعى مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المجلس القومي للمرأة، إلى توعية الأمهات وتقديم الدعم النفسي لهن؟
ألا يجب أن تكون لدينا حملات توعية مستمرة في الريف والنجوع، لرفع وصمة العار عن الضحايا، وليس عن الجناة؟
أين مؤسسات حقوق الإنسان من حقوق هؤلاء الأطفال؟
في زمن تسيطر فيه الضجة على الحقيقة، يظل الأمل معقودًا على الأمهات الواعيات؛ فهنّ من يصنعن الفرق في الخفاء، في البيوت، وفي ساحات لا تراها الكاميرات.
"أم ياسين"... لم تكن مجرد قصة، بل ضوء في آخر النفق.