03 يونيو 2025
شهدت العلاقات بين جمهورية مصر العربية وإيران تحولات دراماتيكية منذ منتصف القرن العشرين، متأثرة بتغيرات الأنظمة السياسية، والتقلبات الإقليمية، والتباينات الأيديولوجية. من التحالف الوثيق إلى القطيعة التامة، ثم إلى محاولات التقارب الحذرة.
في أعقاب ثورة يوليو 1952، توترت العلاقات بين جمهورية مصر العربية بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وإيران تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي. بلغ التوتر ذروته عام 1960 عندما اعترفت إيران بإسرائيل، مما دفع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران .
مع تولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات الحكم عام 1970، شهدت العلاقات تحسنًا ملحوظًا، حيث دعم الشاه جمهورية مصر العربية خلال حرب أكتوبر المجيدة 1973، وقدم مساعدات مالية لإعادة إعمار المدن المتضررة. لكن هذا التحسن لم يدم طويلاً؛ إذ أدت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، واستضافة جمهورية مصر العربية للشاه بعد الإطاحة به، إلى توتر العلاقات مجددًا. أعلنت إيران قطع العلاقات مع مصر، وبلغ التوتر ذروته عندما أطلقت طهران اسم "خالد الإسلامبولي" على أحد شوارعها، وهو منفذ اغتيال السادات .
في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، استمرت العلاقات في حالة من الجمود، رغم بعض المحاولات لتحسينها. في عام 1991، تم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى بعثات لرعاية المصالح، وشهدت السنوات التالية تبادلًا محدودًا للزيارات والوفود. لكن التوترات ظلت قائمة، خاصة مع اتهام جمهورية مصر العربية لإيران بالتجسس ودعم الإرهاب، مما حال دون استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة .
مع انتخاب محمد مرسي رئيسًا لمصر عام 2012، ظهرت بوادر تقارب جديدة. زار مرسي طهران لحضور قمة حركة عدم الانحياز، وكانت هذه أول زيارة لرئيس مصري منذ الثورة الإيرانية. كما زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد القاهرة عام 2013، في زيارة تاريخية شملت لقاءات مع مسؤولين مصريين وزيارة لمسجد الحسين. لكن هذه التحركات لم تؤدِ إلى تطبيع كامل للعلاقات، وظلت الخلافات قائمة، خاصة بشأن الأزمة السورية والتدخلات الإيرانية في المنطقة .
بعد الإطاحة بمرسي وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، عادت العلاقات إلى حالة من الحذر. ورغم ذلك، شهدت السنوات الأخيرة بعض التحركات الإيجابية، مثل لقاءات بين وزيري خارجية البلدين، وتصريحات من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي حول عدم وجود مانع من استئناف العلاقات. كما التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش قمة في السعودية عام 2023، في خطوة اعتُبرت مؤشرًا على رغبة متبادلة في تحسين العلاقات .
رغم التحركات الإيجابية الأخيرة، لا تزال العلاقات بين جمهورية مصر العربية وإيران تواجه تحديات كبيرة. لكن في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، قد تجد القاهرة وطهران مصلحة مشتركة في تحسين العلاقات، خاصة في مجالات الاقتصاد ومكافحة الإرهاب. يبقى المستقبل مفتوحًا على احتمالات متعددة، تتوقف على إرادة الطرفين وقدرتهما على تجاوز الخلافات التاريخية.