بحث


الكاتب اليمني موسى المليكي يكتب: كيف يجب علينا كمسلمين استقبال شهر رمضان المبارك

07 مارس 2024

الكاتب اليمني موسى المليكي يكتب: كيف يجب علينا كمسلمين استقبال شهر رمضان المبارك
موسى المليكي

كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يستقبل شهر رمضان بصورةٍ خاصّةٍ؛ فلم يكن استقباله كاستقبال سائر الشهور، بل كانت له مكانةٌ خاصّةٌ عند النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وعند الصحابة -رضي الله عنهم-، وكان -صلّى الله عليه وسلّم- يُبشّرهم بقدومه؛ فقد رُوي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنّه كان يقول: (أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)، وممّا يدلّ على عِظَم مكانة شهر رمضان المبارك في قلوب الصحابة -رضي الله عنهم- أنّهم كانوا يدعون الله -سبحانه وتعالى- ستّة أشهرٍ أن يُبلّغهم رمضان، ويدعونه ستّة أشهرٍ أخرى أن يتقّبل أعمالهم فيه، وقد كان السَّلَف الصالح -رحمهم الله- يستعدّون لاستقبال شهر رمضان بالدعاء، والتضرُّع إلى الله -سبحانه وتعالى-، لا سيّما أنّ شهر رمضان شهرٌ مباركٌ، وهو شهر القرآن الكريم، وفَتْح أبواب الجنّة، وغَلْق أبواب النار، وتصفيد الشياطين، ومن فضائل شهر رمضان العظيم أنّه شهر الصيام، والتهجُّد، والجهاد، والصبر، والدعاء؛ ولذلك ينبغي لكلّ مسلمٍ الاستعداد لاستقبال الشهر المبارك، واستغلاله بالطاعات، والعبادات، ويُمكن بيان بعض الأعمال التي يُستقبَل بها شهر رمضان المبارك، وذلك على النحو الآتي:

الفرح والسرور والبهجة بشهر رمضان المبارك.

وذلك لأنّ العبد الصالح يستقبل مواسم الخير والطاعات بالفرح والاستبشار؛ قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِذا ما أُنزِلَت سورَةٌ فَمِنهُم مَن يَقولُ أَيُّكُم زادَتهُ هـذِهِ إيمانًا فَأَمَّا الَّذينَ آمَنوا فَزادَتهُم إيمانًا وَهُم يَستَبشِرونَ)، وشهر رمضان المبارك يُعَدّ من الأزمنة المباركة التي يعود فيها العباد إلى ربّهم، ويتوب العُصاة من ذنوبهم، ويُقبل العباد على المساجد التي تمتلئ بالمُصلّين في الأوقات جميعها؛ فتفرح القلوب المؤمنة، وتستبشر الأرواح الطاهرة بالقُرْب من ربّها -عزّ وجلّ-. استقبال شهر رمضان بالحَمْد والشُّكر لله -سبحانه وتعالى-: إذ إنّ بلوغ شهر رمضان المبارك، وصيامه من أعظم النِّعم التي مَنّ بها الله -سبحانه وتعالى- على عباده؛ ولذلك ينبغي للعبد الإكثار من حَمْد الله، وشُكره، وممّا يدلّ على فَضْل صيام رمضان ما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (كان رجلانِ من بَلِيٍّ حَيٍّ من قُضاعةَ أسلَما مع النبيِّ صلَى اللهُ عَليهِ وسلمَ، واستُشهد أحدُهما، وأُخِّر الآخَرُ سَنَةً، قال طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: فأُريتُ الجَنَّةَ، فرأيْتُ المؤخَّرَ منهما، أُدخل قبل الشهيدِ، فتعجبتُ لذلك، فأصبحْتُ، فذكرْتُ ذلكَ لِلنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أو ذُكر ذلِك لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أليسَ قد صام بعدَه رمضانَ، وصلى ستةَ آلافِ ركعةٍ، أو كذا وكذا ركعةً صلاةَ السَّنَةِ).

إخلاص النيّة لله تعالى.

فلا بُدّ من استقبال شهر رمضان بتجديد النيّة، وعَقْد العزم على استغلال الأوقات المُباركة؛ وذلك بالتزام الطاعات، واجتناب المعاصي والسيّئات، وتطهير القلوب، والتوبة الصادقة، لا سيّما أنّ الله -سبحانه وتعالى- يجزي العبد على نيّته؛ إذ رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى).


الاستعداد الجيد لقدوم شهر رمضان.

وذلك من خلال تربية النفس، وتعويدها على الطاعات، كقيام الليل، والصيام، وتلاوة القرآن الكريم؛ حتى يتمّ الاستعداد النفسيّ لأداء الطاعات في رمضان من غير كُلفةٍ، أو مَشقّةٍ؛ فقد ثبت أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يصوم أغلب شهر شعبان؛ استعداداً لاستقبال رمضان، فقد رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِن شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِن صِيَامِهِ مِن شَعْبَانَ كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا).

التوبة الصادقة من جميع الذنوب.

على الرغم من وجوب التوبة في كلّ وقتٍ وحينٍ، ومن أيّ ذنبٍ قد يقترفه العبد، إلّا أنّها تُعَدّ في شهر رمضان المبارك أوجب؛ إذ إنّه موسمٌ من مواسم الخير والطاعات، وفي الحقيقة فإنّ المعاصي والذنوب تُعَدّ سبباً لعدم التوفيق إلى الطاعات والعبادات، وقد يُحرَم المرء بسببها لَذّة القُرب من الله، والالتزام بأوامره، فقد كان يُقال للحسن: "لا نستطيع قيام الليل"، فيقول: "قيّدتك خطاياك"، وكان بعض السَّلف يقولون: "حُرمت قيام الليل سنةً؛ بذنبٍ عملته"، وقال الفضيل بن عيّاض -رحمه الله-: "إذا كنت لا تستطيع قيام الليل، وصيام النهار؛ فاعلم أنّك محبوسٌ، قد قيّدتك ذنوبك"، ولذلك ينبغي استقبال شهر رمضان المبارك؛ بتجديد التوبة، ومراعاة شروطها، وهي: الندم، والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب، وإعادة الحقوق إلى أهلها، بالإضافة إلى كثرة الاستغفار، وسؤال الله -سبحانه وتعالى- القبول.

معرفة قيمة الوقت.

إذ إنّ الكثير من الأوقات الثمينة تضيع بسبب الجهل بقيمتها؛ ولذلك لا بدّ للمسلم من اغتنام كلّ دقيقةٍ في الأعمال الصالحة، والقُربات، قال ابن الجوزيّ -رحمه الله-: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف وقيمة وقته؛ فلا يضيّع فيه لحظةً في غير قُربةٍ"، وتجدر الإشارة إلى أنّ شهر رمضان المبارك من أثمن اللحظات، فقد قَال الله -سبحانه وتعالى- واصفاً شهر رمضان: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ)، وفي الآية إشارةٌ إلى أنّ موسم رمضان العظيم أيّامه قليلةٌ سريعة الذهاب، فلا بُدّ من الاستعداد لاغتنامها؛ حتى لا يقع الندم على تضييعها بعد فوات الأوان.

التقليل من الطعام والشراب.

إذ إنّ الإفراط في تناول الطعام يُؤدّي إلى التكاسل في أداء الطاعات، وعدم الخشوع عند الوقوف بين يدي الله -سبحانه وتعالى-، كما أنّ تقليل الطعام من مقاصد الصيام، وممّا يدلّ على أنّ الإفراط في الأكل مذمومٌ، ما رُوِي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال لرجلٍ تجشّأ عنده: (كُفَّ جشاءَكَ عنَّا فإنَّ أطولَكم جوعًا يومَ القيامةِ أَكثرُكم شبعًا في دارِ الدُّنيا)، وكان سلمة بن سعيد -رحمه الله- يقول: "إن كان الرجل ليُعيّر بالبطن، كما يُعيّر بالذنب يعمله".

معرفة أحكام الصيام.


فقد ذهب أهل العلم إلى وجوب تعلُّم أحكام الصيام على كلّ مَن وجب عليه الصيام؛ إذ إنّ الجهل بأحكام الصيام، وآدابه، وشروطه من الأسباب التي قد تحرم المسلم من الأجر والثواب، ولَرُبّما صام من لديه عُذرٌ شرعيٌّ يُوجب إفطاره، ولرُبَّما صام العبد ولم يَنل من صيامه إلّا الجوع والعطش؛ لجَهله بأحكام الصيام.


رمضان رسول الله الشهر المبارك العبد الصالح التوبة
شاهد أيضًا
الكاتب اليمني موسى المليكي يكتب: أخلاقيات المهنة 20

الكاتب اليمني موسى المليكي يكتب: أخلاقيات المهنة 20

07 مايو 2024
سماح صادق قناوي تكتب: طريق أمل

سماح صادق قناوي تكتب: طريق أمل

23 ابريل 2024
الكاتب اليمني موسى المليكي يكتب: لن يتقبل الناس رأي الإعلامي إلا حينما يتحرر من القيود.

الكاتب اليمني موسى المليكي يكتب: لن يتقبل الناس رأي الإعلامي إلا حينما يتحرر من القيود.

19 ابريل 2024
عزة سارى تكتب: «محمد صلاح».. حديث الساعة

عزة سارى تكتب: «محمد صلاح».. حديث الساعة

08 ابريل 2024
عزة سارى تكتب: «محمد صلاح».. حديث الساعة

عزة سارى تكتب: «محمد صلاح».. حديث الساعة

08 ابريل 2024
سمير البحيري يكتب: إسبانيا والخطوة المهمة في الصراع العربي الإسرائيلي!

سمير البحيري يكتب: إسبانيا والخطوة المهمة في الصراع العربي الإسرائيلي!

26 مارس 2024
رقية فريد تكتب: النصف الآخر

رقية فريد تكتب: النصف الآخر

24 مارس 2024
عزة سارى تكتب: من مخيلتى

عزة سارى تكتب: من مخيلتى

24 مارس 2024
محمد الغريب يكتب: «أبواب القرآن».. وتفسير «العاصي»

محمد الغريب يكتب: «أبواب القرآن».. وتفسير «العاصي»

22 مارس 2024
محمد الغريب يكتب: «أبواب القرآن».. وتفسير «العاصي»

محمد الغريب يكتب: «أبواب القرآن».. وتفسير «العاصي»

21 مارس 2024
عزة سارى تكتب: ترنيمة روح

عزة سارى تكتب: ترنيمة روح

19 مارس 2024
سماح صادق قناوي تكتب: رحيل أحلام

سماح صادق قناوي تكتب: رحيل أحلام

19 مارس 2024
رقية فريد تكتب: قهوة سادة

رقية فريد تكتب: قهوة سادة

16 مارس 2024
عزة سارى تكتب: عودوا أطفالكم علي الصدقات

عزة سارى تكتب: عودوا أطفالكم علي الصدقات

16 مارس 2024
محمد الغريب يكتب: بين الإمام ونور الدين..الأطفال ضحايا أم ناجون؟

محمد الغريب يكتب: بين الإمام ونور الدين..الأطفال ضحايا أم ناجون؟

15 مارس 2024
شيرين عبدالسلام تكتب: ماكنتش فاكر

شيرين عبدالسلام تكتب: ماكنتش فاكر

11 مارس 2024
رقية فريد تكتب: اختاري

رقية فريد تكتب: اختاري

11 مارس 2024
د.إنجى البسيوني تكتب: منظومة التعليم المجتمعى

د.إنجى البسيوني تكتب: منظومة التعليم المجتمعى

05 مارس 2024
الكاتب اليميني موسى المليكي يكتب: ماذا يعني الفساد المنكر و مخاطره على الأفراد والمجتمعات؟!

الكاتب اليميني موسى المليكي يكتب: ماذا يعني الفساد المنكر و مخاطره على الأفراد والمجتمعات؟!

04 مارس 2024
الكاتب اليمني موسى المليكي يكتب: ماذا بعد إقدام أحد الأبطال نفسه يا مجلسنا الرئاسي.

الكاتب اليمني موسى المليكي يكتب: ماذا بعد إقدام أحد الأبطال نفسه يا مجلسنا الرئاسي.

01 مارس 2024
التعليقات