26 ديسمبر 2025

لم يكن عام 2025 مجرد فصل جديد في الحرب السودانية، بل تحوّل إلى سجل مفتوح للدم والدمار، حيث بات الموت جزءًا من المشهد اليومي، والنزوح قدرًا لملايين المدنيين. من دارفور إلى الخرطوم، تتقاطع شهادات الجوع والحصار والعنف الجنسي مع تقارير أممية توثّق جرائم تُرتكب على مرأى من العالم، دون رادع أو محاسبة. وفي قلب هذه المأساة، تبرز ميليشيا «الدعم السريع» كفاعل رئيسي في واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
وخلال العام الذي شارف على نهايته، برزت ميليشيا الدعم السريع كأحد أبرز الأطراف المتسببة في تعميق المأساة الإنسانية، وفق تقارير أممية متعددة وثقت ارتكاب عناصرها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، شملت القتل الجماعي، والعنف الجنسي، والتجويع المتعمد، لا سيما في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
مثّل سقوط مدينة الفاشر بيد قوات الدعم السريع في أواخر أكتوبر الماضي، بعد حصار استمر أكثر من 500 يوم، نقطة تحول مفصلية في مسار الحرب السودانية المستمرة منذ نحو عامين ونصف العام. فالمدينة لا تمثل فقط العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، بل تُعد آخر معقل رئيسي للقوات المسلحة السودانية في الإقليم، ما منح سقوطها بعدًا عسكريًا واستراتيجيًا بالغ الخطورة.
وأدى هذا السقوط إلى موجة نزوح واسعة، حيث فرّ أكثر من 100 ألف شخص في أيام قليلة، معظمهم من النساء والأطفال، تاركين خلفهم منازلهم وممتلكاتهم، في رحلة محفوفة بالمخاطر بحثًا عن الأمان. ووجدت آلاف الأسر نفسها مشتتة، تخوض معركة قاسية لإعادة لمّ شمل أفرادها وسط الفوضى وانعدام الخدمات.
تشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن عدد النازحين داخليًا في السودان تجاوز 9.3 مليون شخص في جميع الولايات الثماني عشرة، في واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم. كما عاد أكثر من 3 ملايين شخص إلى تسع ولايات، إلا أن عودتهم لم تعنِ نهاية المعاناة، إذ أوضحت البيانات أن نحو ثلث العائلات النازحة وخُمس الأسر العائدة قضت يومًا وليلة كاملين دون الحصول على أي طعام.
وفي الفاشر وحدها، فرّ أكثر من مليون شخص منذ بداية الحرب، إما إلى ضواحي المدينة أو إلى مناطق أبعد مثل مدينة طويلة الواقعة على بعد 45 ميلًا غربًا. وفي المقابل، لا يزال نحو 260 ألف مدني، نصفهم تقريبًا من الأطفال، محاصرين داخل المدينة دون أي مساعدات إنسانية، ما دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى أكل علف الماشية للبقاء على قيد الحياة.
وثّقت تقارير الأمم المتحدة نمطًا ثابتًا من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، شملت القتل المتعمد للمدنيين، والاغتصاب الجماعي، والاسترقاق الجنسي، معتبرة أن هذه الجرائم تُرتكب عمدًا بهدف بث الرعب في نفوس السكان وإخضاعهم بالقوة.
ومن أخطر هذه الانتهاكات فرض حصار خانق على المدن والمناطق السكنية، ومنع دخول الغذاء والمياه والوقود والأدوية، وشن هجمات ممنهجة على كل من حاول إدخال الإمدادات الإنسانية. كما شملت الفظائع القتل والتعذيب والتهجير القسري والاضطهاد العرقي الذي استهدف مجتمعات غير عربية، إضافة إلى استخدام التجويع كسلاح حرب، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
أمام هذا المشهد الكارثي، دعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود من أجل وقف القتال، ووقف تدفق الأسلحة التي تؤجج الصراع، والضغط على الأطراف المتحاربة للتوصل إلى وقف إطلاق نار شامل ودائم على مستوى البلاد.
كما طالبت مجلس الأمن الدولي بتوجيه رسالة واضحة مفادها أن الهجمات ضد المدنيين، والعنف الجنسي، والانتهاكات الجسيمة الأخرى لن تمر دون محاسبة، مع ضرورة تمكين العاملين في المجال الإنساني من الوصول الآمن إلى المتضررين.
وفي السياق ذاته، طرح رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس مبادرة تحت اسم «مبادرة حكومة السودان للسلام»، تستند إلى المبادئ الدولية وتقدم إطارًا واقعيًا لحماية المدنيين، واستعادة سلطة الدولة، وفتح الباب أمام مصالحة وطنية شاملة. وأكد إدريس أن المبادرة نابعة من الداخل السوداني، وتشمل وقف إطلاق النار، وتجميع مقاتلي الميليشيات ونزع سلاحهم، إضافة إلى معالجة أوضاع النازحين واللاجئين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، في محاولة لإنهاء حلقة العنف التي عانى منها السودان لعقود.