07 ديسمبر 2025

في عامه الأول على رأس الإدارة السورية، وجد أحمد الشرع نفسه أمام تركة ثقيلة من الدمار المؤسسي والانقسام المجتمعي والانهيار الاقتصادي. كان المشهد العام خليطًا من الآمال الحذرة والمخاوف العميقة، بينما حاولت السلطة الجديدة تثبيت أركان حكمها في بلد خرج لتوه من مرحلة صراعية طويلة ومعقدة .
منذ الأيام الأولى، ظهرت ملامح سياسة قائمة على تفكيك البنية القديمة للدولة وإعادة تشكيل مراكز القرار. أُبعدت شخصيات محسوبة على المرحلة السابقة، وجرت محاولات لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية تحت مسميات جديدة. لكن على الأرض، لم يكن الانتقال سلسًا. بقي النفوذ الفعلي في كثير من المناطق بيد قوى مسلحة محلية، بعضها اندمج شكليًا في أجهزة الدولة الجديدة، بينما احتفظ بتركيبته الداخلية وسلسلة أوامره الخاصة عمليًا .
على المستوى الأمني، شهدت البلاد تراجعًا نسبيًا في وتيرة المعارك الواسعة، لكن لم يتحقق استقرار حقيقي. سُجّلت حوادث اغتيال وتصفيات وانتقام في عدة مناطق، خصوصًا في المناطق التي تضم خليطًا طائفيًا أو سياسيًا حساسًا. الدولة الجديدة أعلنت أكثر من مرة التزامها بحماية “السلم الأهلي”، إلا أن غياب آليات واضحة للمحاسبة، وعدم وجود قضاء مستقل فعليًا، جعلا هذه الوعود تبدو ضعيفة أمام اختبار الواقع .
اقتصاديًا، كان العام الأول هو الأصعب على حياة السوريين اليومية. استمرت العملة في التراجع، وارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل لافت، بينما بقيت الرواتب شبه ثابتة أو غير كافية. الوعود بإعادة الإعمار والاستثمارات الخارجية لم تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطن العادي. البنية التحتية ظلت في حال متردٍ: كهرباء متقطعة، مياه غير منتظمة، وخدمات صحية وتعليمية بالكاد تعمل. في المقابل، سُجلت مشاريع إعادة إعمار محدودة في بعض المناطق كواجهات رمزية لإظهار أن الدولة “تنهض من جديد”، لكنها لم تصل إلى أغلب المناطق المنكوبة.
في ملف العدالة الانتقالية، لم يتحقق تقدم جوهري. ملفات المعتقلين والمفقودين بقيت شبه معلّقة. لم تُفتح تحقيقات علنية واسعة في الجرائم السابقة، ولم يشعر قطاع واسع من المتضررين بوجود إرادة فعلية للمحاسبة. هذا الفراغ خلق شعورًا لدى كثيرين بأن مرحلة جديدة من الإفلات من العقاب قد بدأت، ولكن بوجوه مختلفة .
خارجيًا، ركزت الإدارة الجديدة على إخراج سوريا من عزلتها. الخطاب السياسي اتجه نحو التهدئة، وتقديم صورة أكثر براغماتية للعالم. أُرسلت وفود، وعُقدت لقاءات، وظهرت لغة جديدة تتحدث عن “الاستقرار” و”مكافحة الفوضى” و”احترام التوازنات الإقليمية”. إلا أن هذه التحركات بقيت محكومة بالحذر الدولي، إذ استمر كثير من الأطراف بالتعامل مع السلطة الجديدة بوصفها قيد الاختبار، لا شريكًا كاملاً .
في الحياة السياسية الداخلية، لم تتشكل حتى نهاية العام الأول مؤسسات تمثيلية حقيقية ذات وزن. لم يظهر برلمان فاعل أو عملية سياسية تسمح بمشاركة واسعة للمجتمع. ظلت دائرة صنع القرار ضيقة، تستند في شرعيتها أساسًا إلى السيطرة الأمنية والقدرة على تثبيت الأمر الواقع، أكثر من استنادها إلى تفويض شعبي واضح أو آليات ديمقراطية .
وبينما كانت الخطابات الرسمية تتحدث عن “بناء دولة جديدة”، ظل الشعور العام لدى شريحة واسعة من الناس يراوح بين الانتظار والشك. كثيرون فضلوا الصمت والانكفاء، بعدما أنهكتهم سنوات الخوف والحرب والانهيار. لم يعد السؤال عند هؤلاء: من يحكم؟ بل: هل سيتوقف التدهور؟ هل يمكن العيش بحدٍّ أدنى من الكرامة والأمان؟
خلاصة العام الأول لم تكن بيضاء ولا سوداء بالكامل. كانت أقرب إلى منطقة رمادية واسعة: سلطة جديدة نجحت في تثبيت نفسها نسبيًا، لكنها لم تنجح بعد في التحول إلى دولة مؤسسات حقيقية. تراجع في مستوى الفوضى الكبرى، لكن استمرار لانعدام الأمان الكامل. وعود بالإصلاح، يقابلها واقع اقتصادي واجتماعي شديد القسوة. في نهاية هذا العام، بقيت سوريا معلقة بين ماضٍ ثقيل لم يُغلق بعد، ومستقبل لم تتضح ملامحه .