05 ديسمبر 2025

يشهد جيش الاحتلال الإسرائيلي موجة غير مسبوقة من حالات الانتحار بين ضباطه وجنوده، في ظل ما تقول المصادر الإسرائيلية إنه تفاقم للصدمات النفسية والأزمات العقلية التي ضربت المقاتلين الذين شاركوا في حرب الإبادة على قطاع غزة. حربٌ خلّفت دمارًا هائلًا للبنية التحتية وراح ضحيتها أكثر من 60 ألف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء، وخلّفت كذلك انهيارًا نفسيًا واسع النطاق داخل صفوف الجيش.
وبحسب تقارير صحافية إسرائيلية، فإن آلاف الجنود تركوا جبهات القتال خلال الأشهر الماضية بعد معاناتهم من اضطرابات نفسية حادة وصدمة ما بعد الحرب، نتيجة المشاهد المروعة للقتل والتدمير التي شاركوا فيها أو كانوا شهودًا عليها. وأشارت صحيفة عبرية إلى أن من بين هؤلاء الضابط السابق في لواء جفعاتي توماس أدزجاوسكاس، الذي انتهت حياته في ظروف مأساوية بعد رحلة طويلة مع الصدمات النفسية.
كان الضابط أدزجاوسكاس من أوائل الجنود الذين شاركوا في الهجوم على غزة عقب أحداث 7 أكتوبر، وتعرض خلال فترة وجوده في القطاع لضغوط نفسية كبيرة أدت إلى تسريحه من الخدمة في أبريل 2024. منذ ذلك الحين، حاول الضابط العودة لحالة من الاستقرار النفسي عبر المتابعة العلاجية، غير أن حالته تدهورت تدريجيًا، بينما كان ينتظر الاعتراف به كمحارب قديم معاق من قبل إدارة إعادة التأهيل التابعة للجيش.
لكن الصدمة جاءت حين عُثر على جثته في حديقة بمنطقة أشدود، بعد أن قرر إنهاء حياته. وكشفت التحقيقات أنه انتحر متأثرًا بحالته النفسية المتدهورة، لينضم إلى سلسلةٍ من حالات الانتحار المتكررة التي باتت تثير قلقًا عميقًا داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
قبل وفاته بأيام، كتب أدزجاوسكاس رسالة مؤثرة كشف فيها عن معاناته. قال إنه لم يعد الشخص ذاته منذ السابع من أكتوبر، وإن شعورًا قاسيًا يلاحقه بأنه فقد حياته الطبيعية إلى الأبد. ورغم محاولاته المتكررة للتماسك والعودة إلى طبيعته، فإنه شعر في النهاية بأنه خسر معركته النفسية، ولم يعد قادرًا على الاستمرار.
هذه الرسالة أعادت الجدل حول الأوضاع المأساوية التي يعيشها الجنود في وحدات النخبة، وخصوصًا في لواء "غولاني"، حيث يتعرض الجنود – وفق شهادات متداولة في الإعلام العبري – لسوء معاملة وإهانات متكررة من قبل قادتهم، تشمل شتائم وتهديدات وإذلالًا مباشرًا، إضافة إلى غرامات وعقوبات تصل إلى الإقامة الجبرية. هذه الظروف القاسية دفعت عددًا متزايدًا منهم نحو الانتحار.
عائلات الجنود لم تصمت، فقد وجهت رسالة حادة لقادة الجيش اتهمتهم فيها بإساءة معاملة الجنود وتجاهل أوضاعهم النفسية. وبحسب القناة الـ12 الإسرائيلية، فإن الأهالي تحدثوا عن لغة قاسية وتهديدات وقرارات عقابية غير منطقية حتى بعد عودة الجنود من فترات طويلة داخل غزة.
من جانبها، كشفت صحيفة هآرتس أن الحكومة وقيادة الجيش تتعاملان مع هذه الأزمة بتجاهل شبه كامل، إذ لا تُنشر أي بيانات رسمية حول أعداد المصابين نفسيًا أو الذين تم تسريحهم بسبب اضطرابات عقلية. كما لا توجد سياسة واضحة للتعامل مع الجنود الرافضين للمشاركة في عمليات قتل المدنيين، وقد أُجبر العديد منهم على القتال تحت تهديد السجن، ما دفع بعضهم للانتحار هربًا من هذا الواقع.
في ظل هذا الصمت، تتزايد التساؤلات داخل المجتمع الإسرائيلي حول مستقبل الجيش وحجم الأزمة النفسية التي تهدد تماسكه الداخلي، فيما تبدو المؤسسة العسكرية عاجزة عن الاعتراف بحجم الكارثة التي خلفتها حرب غزة، ليس فقط على الفلسطينيين، بل داخل إسرائيل نفسها.