بحث


محمد الغريب يكتب: رفقًا بـ«ابن الأنثي»

24 فبراير 2024

محمد الغريب يكتب: رفقًا بـ«ابن الأنثي»

نعيش واقعًا بما تحمله دلالات الكلمة تورية وسجعا، نقبع في أدنى مستوياتها، لا تنفك الضغوط فيه أن ترسخ لهذه المعاني المعجمية والبيئية لتلكم الحقيقة بأن كل «ابن أنثى» سيدفع إلى آلة حدباء دفعًا،

شاء أم أبى، رغب في الرحيل أم لم يرغب وهي حقيقة الموت التي لا فكاك منها وهو قدر مسلم به.

تلك الآلة التي لخص حقيقتها كعب بن زهير بقوله :«كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يومًا على آلة حدباء محمول»، على نقيض فطاحل قومه وحكماء عصره الذين لم ينسبوا كما فعل «كعب» الرجال إلا لـ آدم وفق فطرتهم،

ولم يجعل لكبريائه ونفورهم من الأنثى وزنًا ومبررًا يجعله يتعفف عن هذه النسبة المستهجنة عرفًا بين مورثات قومه؛ لم يكن الطريق إليها بتلك السرعة التي نعاصرها اليوم.

ففي خضم معارك الرجال اليوم أضحت معاني القهر الذي استعاذ منها النبي صل الله عليه وسلم مفروضة، لم تعد أزمتنا البحث عن الأنثى وحدها، تشعبت الهموم،

كثرت الآلام، تضاعفت الأشواك، لم نعد قادرين على المضي أو المسير حتى لأهون الطرق الآمنة بضع سنتيمترات، كأن العالم من حولنا يلفظنا وكأننا الشقاوة والعقبة التي أراد الجميع التخلص منها.

لم يعد التعوذ من قهر الرجال سوى الملاذ الأوحد للذكور من بني آدم، في عالم أضحت معاني السكينة مسلوبة،

نزعت مترادفات الحنو التي أودعها الله تعالى في حواء فذهب البعض بحديث النبي :«استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خُلقت من ضِلْعٍ، وإنَّ أعوجَ ما في الضِّلْعِ أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمُهُ كسرتَهُ، وإن تركتَهُ لم يزل أعوجَ، فاستوصوا بالنساء خيراً»،

وتناسوا أن في طياته تجسيد للشفقة والعطف التي أودعها الله تعالى في بنات آدم، فَشحت في زماننا الأنثى التي خلقت ملجأ للراحة في خضم معارك الحياة كي تعيد ما استنفذ من الطاقة لا أن تضاعف من هدره.

توقفت كثيرًا وأنا أبحث عن مقصد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن أنس بن مالك رضى الله عنهما قال:

كنت أخدم رسول اللَّه صل الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: [اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ]،

وفي رواية أخرى قهر الرجال، ووجدته متجسدًا فيما نحيا عجزًا وضعفًا وهوانا.

إلا أنه في نهاية المطاف وجدت أن في طيات الحديث دعوات للأمل واليقين بأنها ما ضاقت إلا لتيسر، فقد روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري أنه قال:

«دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال يا أبا أمامة: ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟، 

قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت:

اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني».

وكأن بواقعنا الذي يأبى الرجل بكايًا شكايًا، ولم يجد في مقابل ذلك أن يترك له سبيلًا للتخفيف من وطأت الضغط ومتنفسًا من ثورة البركان، غفل بأن الله عزوجل سيجعل بعد عسرٍ يسرا،

وأنه سبحانه القائل: «لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا»، الآية السابعة من سورة الطلاق.


بوابة الحياة نيوز حياة نيوز محمد الغريب الانثي رسول الله
شاهد أيضًا
الحسين عبد الرازق يكتب: لا تُلبسوا الكذب ثوب النضال!

الحسين عبد الرازق يكتب: لا تُلبسوا الكذب ثوب النضال!

01 أغسطس 2025
سحر عزام يكتب: النار تأتي من العدم.. ماذا يحدث في برخيل؟

سحر عزام يكتب: النار تأتي من العدم.. ماذا يحدث في برخيل؟

30 يوليو 2025
مدحت الشيخ يكتب: محدش شاف مواطن

مدحت الشيخ يكتب: محدش شاف مواطن

28 يوليو 2025
عصام التيجي يكتب : مات الابن الثائر .. مات «زياد الرحباني»

عصام التيجي يكتب : مات الابن الثائر .. مات «زياد الرحباني»

28 يوليو 2025
يحيى الشربيني يكتب : صلح تاريخي بين أنقرة والأكراد

يحيى الشربيني يكتب : صلح تاريخي بين أنقرة والأكراد

13 يوليو 2025
الإعلامي أحمد دياب يرثي شهداء حريق رمسيس بقصيدة «حقكم علينا»

الإعلامي أحمد دياب يرثي شهداء حريق رمسيس بقصيدة «حقكم علينا»

08 يوليو 2025
رقية فريد تكتب: عبثية الحياة

رقية فريد تكتب: عبثية الحياة

08 يوليو 2025
مدحت الشيخ يكتب: فضفضة.. «غيبوبة الإعلام»

مدحت الشيخ يكتب: فضفضة.. «غيبوبة الإعلام»

05 يوليو 2025
يحيى الشربيني يكتب : من مكة إلى كربلاء . الحسين ومأساة العاشر من محرم

يحيى الشربيني يكتب : من مكة إلى كربلاء . الحسين ومأساة العاشر من محرم

04 يوليو 2025
طارق عجيز يكتب:ثورة 30 يونيو.. لحظة التحرر من فاشية المتأسلمين

طارق عجيز يكتب:ثورة 30 يونيو.. لحظة التحرر من فاشية المتأسلمين

01 يوليو 2025
مدحت الشيخ يكتب: الإقليمي.. الطريق إلى الآخرة

مدحت الشيخ يكتب: الإقليمي.. الطريق إلى الآخرة

28 يونيو 2025
يحيى الشربيني يكتب : طقوس الشيعة في شهر محرم ويوم عاشوراء

يحيى الشربيني يكتب : طقوس الشيعة في شهر محرم ويوم عاشوراء

27 يونيو 2025
يحيى الشربيني يكتب : كيف غيّرت الهجرة النبوية وجه التاريخ؟

يحيى الشربيني يكتب : كيف غيّرت الهجرة النبوية وجه التاريخ؟

26 يونيو 2025
عبدالمنعم ابراهيم يكتب:30 يونيو.. ثورة أنقذت الدولة وأعادت بناءها

عبدالمنعم ابراهيم يكتب:30 يونيو.. ثورة أنقذت الدولة وأعادت بناءها

26 يونيو 2025
آية صالح تكتب :نظرية داروين، ”المليار الذهبي” والحروب الحديثة: هل البقاء للأقوى أم للأكثر دهاءً؟

آية صالح تكتب :نظرية داروين، ”المليار الذهبي” والحروب الحديثة: هل البقاء للأقوى أم للأكثر دهاءً؟

25 يونيو 2025
مدحت الشيخ يكتب: نواب خارج الخدمة

مدحت الشيخ يكتب: نواب خارج الخدمة

20 يونيو 2025
مدحت الشيخ يكتب: دائرة بلا نواب.. تمثيل غائب وسياسة مبتذلة

مدحت الشيخ يكتب: دائرة بلا نواب.. تمثيل غائب وسياسة مبتذلة

18 يونيو 2025
مدحت الشيخ يكتب: الشرق الأوسط على كفّ عفريت

مدحت الشيخ يكتب: الشرق الأوسط على كفّ عفريت

13 يونيو 2025
د.حسن الشقطي يكتب: «إدفو» تتربع على عرش المدن الاقتصادية في مصر.. شئنا أم أبينا

د.حسن الشقطي يكتب: «إدفو» تتربع على عرش المدن الاقتصادية في مصر.. شئنا أم أبينا

07 يونيو 2025
الشيخ طارق ياسين الرفاعي يكتب: الكبش السماوي: الرمز والسرّ في عيد الأضحى

الشيخ طارق ياسين الرفاعي يكتب: الكبش السماوي: الرمز والسرّ في عيد الأضحى

06 يونيو 2025
التعليقات