13 يونيو 2025
كلما حاولتَ أن تُقنع نفسك أن الأمور في الشرق الأوسط لا يمكن أن تسوء أكثر... تثبت لك المنطقة العكس باقتدار.
آخر الإبداعات: ضربة إسرائيلية "جراحية" لإيران، وردٌّ إيراني محسوب بالمسطرة، وتصريحات دولية كلها على وزن: ندعو إلى التهدئة وضبط النفس، وكأن المشكلة في نبرة الصوت، لا في الصواريخ.
إسرائيل تضرب... وإيران تعدّ للرد
الضربة الإسرائيلية الأخيرة داخل إيران –بصرف النظر عن التفاصيل العسكرية التي تسربها الصحف الغربية بعد موافقة واشنطن– لم تكن مفاجئة.
إسرائيل، التي تتقن فن الاستفزاز المدروس، ضربت منشآت قالت إنها تهدد أمنها القومي.
الرد الإيراني حتى الآن جاء على طريقة اللاعب الذي يُظهر ضبط النفس وهو يربط الحذاء ببطء استعدادًا للجولة القادمة.
كلا الطرفين يمارس هواية "نصف الحرب": ضربات محسوبة، وتهديدات مشروطة،
وتصريحات تقرأها فلا تعرف إن كانت إعلان حرب أم اعتذار دبلوماسي مشفّر.
الخليج يراقب.. ويحبس أنفاسه
دول الخليج تبدو كمن جلس في مقهى عند مفترق طرق بين إيران وإسرائيل. لا تستطيع المغادرة،
ولا تتحمّل تكلفة البقاء، فتحبس أنفاسها كلما سمعَت صوتًا في السماء، أو إشاعة عن ردّ مرتقب.
الحسابات في الخليج أدق من خوارزميات البورصة: تريد التهدئة لكنها لا تثق بطهران،
وتراهن على واشنطن لكنها ترى أن عينها أصبحت على شرق آسيا أكثر من الشرق الأوسط.
لبنان: الحائط الرخو في الجغرافيا الصلبة
أما لبنان، فمعلق كالعادة بين التجاذبات الكبرى. حزب الله لا يريد الحرب... حاليًا، لكنه لا يستطيع أن يبدو متفرجًا. فإن صمت،
خسر أوراقه أمام قاعدته، وإن تحرك، فتح الجبهة الشمالية على مصراعيها في توقيت قاتل داخليًا.
بيروت لم تعد تتحمّل "طلقة تحذيرية"، فكيف ستحتمل رشقات إقليمية تُطلق فقط من باب حفظ ماء الوجه؟.
الولايات المتحدة: بين المايسترو والشرطي
واشنطن تمارس دور الشرطي والمُخرج والمحرر السياسي في آن واحد. ترحب بأي ضربة إسرائيلية طالما أنها "غير مكلفة"،
وتضغط على إيران حتى حدود الانفجار دون أن ترغب فعليًا في سماع صوت الانفجار. تريد احتواء إيران، لا انهيارها.
وتريد حماية إسرائيل دون أن تضطر إلى جرّ نفسها إلى حرب مباشرة..
المعادلة التي نجحت حتى الآن، لكنها تهتز تحت وقع كل صاروخ جديد.
العفريت في التفاصيل
الشرق الأوسط ليس على كف عفريت، بل هو العفريت نفسه، يتقلب بين التهديدات والتطمينات، بين حسابات الغاز والبوارج، بين مفاوضات في فيينا وضربات في أصفهان.
وكلما اعتقد اللاعبون أنهم يتحكمون في اللعبة، يأتيهم طفل صغير –أو صاروخ طائش– ليخلط الأوراق من جديد.
الضربة الإسرائيلية لإيران ليست مجرد حدث عسكري، بل جرس إنذار جديد..