12 نوفمبر 2025

تُعدّ مسابقة «شاعر المليون» التي تُقام في أبوظبي واحدة من أبرز المنابر الأدبية والشعرية في العالم العربي، إذ استطاعت منذ انطلاقها أن تحجز لنفسها مكانة فريدة في المشهد الثقافي، وأن تعيد للشعر النبطي وهجه وتأثيره في الوجدان العربي.
لم تكن المسابقة مجرّد برنامج تلفزيوني أو تنافس شعري، بل مشروع ثقافي متكامل ترعاه دولة الإمارات العربية المتحدة،
ويهدف إلى إحياء التراث الشعري وتعزيز الهوية الثقافية وإبراز الطاقات الإبداعية الشابة من مختلف أرجاء الوطن العربي.
منذ انطلاقتها في عام 2006، برعاية لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي،
تمكنت «شاعر المليون» من أن تتحول إلى ظاهرة ثقافية عربية تتجاوز حدود المسابقة نفسها.
فالبرنامج الذي يُبث على الهواء مباشرة، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، مقدماً منصة تحتفي بالكلمة الجميلة والمشاعر الصادقة،
وتُعيد الاعتبار للشعر النبطي بوصفه فناً عربياً أصيلاً يعبر عن قيم البداوة والكرم والانتماء.
منبر لتوحيد الذائقة العربية
ما يميز «شاعر المليون» أنه استطاع توحيد الذائقة الشعرية العربية من الخليج إلى المحيط، إذ يجتمع الشعراء من مختلف البلدان والثقافات العربية على منصة واحدة،
يحملون هموم أوطانهم ويعبرون عن مشاعر شعوبهم بلغة الشعر النبطي الراقية.
وبذلك، أصبحت أبوظبي قبلة لكل عاشق للشعر، ومركزاً لإحياء التواصل الثقافي العربي، في وقتٍ يحتاج فيه العالم العربي إلى مساحات تُبرز القيم المشتركة وتُعزز روح الوحدة والانتماء.
الإمارات.. راعية الإبداع الثقافي
يأتي اهتمام الإمارات بهذه المسابقة انطلاقاً من رؤيتها الثقافية الرائدة التي تضع الثقافة في قلب مشروعها التنموي.
فكما اهتمت الدولة بالفنون والآداب والتراث المادي والمعنوي، جعلت من الشعر أحد ركائز هويتها الثقافية.
وتُعد مبادرة «شاعر المليون» ترجمة عملية لهذه الرؤية، حيث تُسهم في نشر الوعي الثقافي وتُحفز الشباب على الإبداع والابتكار في إطار يحافظ على التراث ويمنحه حياة جديدة.
ولم تقتصر المسابقة على الجانب التنافسي فحسب، بل تحولت إلى مدرسة أدبية متكاملة تُثري الساحة الشعرية عبر لجان التحكيم المتخصصة،
والتي تضم نخبة من كبار النقاد والشعراء، ما يمنح المتسابقين فرصة حقيقية للتطور والتعلم وصقل الموهبة.
كما يُتيح البرنامج تواصلاً مباشراً بين الجمهور والشعراء، ما يخلق حالة من التفاعل الثقافي الواسع ويُعيد للشعر مكانته في الوجدان الشعبي.
اكتشاف المواهب وصناعة النجوم
من أبرز إنجازات «شاعر المليون» قدرته على اكتشاف المواهب الشعرية الجديدة وإبرازها إلى الساحة الإعلامية. فقد قدّم البرنامج أسماءً كثيرة أصبحت اليوم من أعمدة الشعر النبطي والإعلام الثقافي،
وأسهم في بناء جيل جديد من الشعراء الذين يجمعون بين الإبداع الفني والوعي الثقافي.
ولعل قيمة الجائزة، التي تصل إلى مليون درهم إماراتي، ليست مجرد تقدير مادي، بل رسالة رمزية مفادها أن الإبداع يستحق الدعم والاحتفاء.
منبر عالمي للثقافة العربية
كما ساهمت المسابقة في نشر الثقافة العربية على المستوى الدولي، من خلال التغطية الإعلامية الواسعة التي تحظى بها في القنوات والمنصات الرقمية، ما جعل العالم يلتفت إلى الشعر العربي كأحد أقدم أشكال التعبير الإنساني.
وأثبتت التجربة الإماراتية أن الثقافة يمكن أن تكون جسراً للحوار والتقارب بين الشعوب، وأن الشعر ما زال يحتفظ بقدرته على التأثير والإلهام في زمن تسوده الصورة والسرعة.
إن «شاعر المليون» ليست مجرد مسابقة تُقام كل عامين في أبوظبي، بل رسالة ثقافية عربية متجددة تؤكد أن الشعر لا يموت ما دام يجد من يرعاه ويمنحه الحياة من جديد.
لقد نجحت الإمارات، من خلال هذا المشروع، في تحويل الشعر إلى حدث جماهيري وثقافي يُعيد الاعتبار للكلمة الصادقة ويُحفّز الإبداع في كل أرجاء الوطن العربي.
وهكذا، تبقى أبوظبي عاصمة للثقافة، ومنارة تحتفي بالشعراء، وتُكرّس مكانة الكلمة كجسر يربط الماضي بالحاضر، ويقود المستقبل نحو مزيد من الوعي والجمال.