13 نوفمبر 2025

في اللحظة التي يوجه فيها العالم أنظاره نحو الصراعات الأرضية من حروب وتنافسات جيوسياسية، يجري في الخفاء سباق آخر أكثر تعقيداً وطموحاً،
إنه الصراع الخفي على موارد الفضاء والقوانين الكونية الذي بدأ يحدد ملامح النظام العالمي الجديد لم يعد الفضاء ذلك المجال البكر الذي يثير فضول العلماء والمستكشفين فقط،
بل تحول إلى ساحة جديدة للتنافس الاستراتيجي بين القوى العظمى،
حيث تتصارع الدول على الموارد المعدنية الهائلة في الكويكبات، والسيطرة على المسارات المدارية الحيوية،
ووضع القوانين التي ستسود في هذا المجال الشاسع إنها معركة خفية لكن جوائزها ضخمة،
تتراوح بين السيطرة على اقتصادات المستقبل والهيمنة على البنية التحتية الرقمية للعالم.
في قلب هذا الصراع، تقف الولايات المتحدة في مواجهة الصين،
مع مشاركة فاعلة من روسيا والاتحاد الأوروبي والهند واليابان فمن خلال برامج "أرتميس" الأمريكية
وبناء المحطة الفضائية الصينية والاستثمارات الروسية في تكنولوجيا الفضاء، نرى ملامح سباق فضائي جديد،
لكنه هذه المرة ليس للاستعراض التقني أو التفوق الأيديولوجي كما في الحرب الباردة،
بل من أجل الموارد والثروات الحقيقية الكويكبات القريبة من الأرض تحتوي على معادن ثمينة مثل البلاتين والذهب والحديد والنيكل،
قد تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات كما أن القمر نفسه يحتوي على الهيليوم النادر الذي يمكن أن يكون وقوداً نظيفاً للمستقبل هذه الثروات غير المستغلة تمثل حلماً للدول والشركات الخاصة على حد سواء.
لكن التحدي الأكبر ليس تقنياً فحسب، بل قانونياً بالأساس. فمعاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، التي وضعت إطاراً للأنشطة الفضائية،
تبدو اليوم عاجزة عن مواكبة التطورات الحديثة تنص المعاهدة على أن الفضاء "ميراث مشترك للبشرية" ولا يمكن لدولة أن تطلب السيادة على الأجرام السماوية،
لكنها لا تحدد بشكل واضح حقوق استغلال الموارد هذا الغموض القانوني خلق فراغاً خطيراً،
حاولت الولايات المتحدة ملؤه من خلال "قانون الفضاء" الأمريكي لعام 2015 الذي سمح للشركات الأمريكية بامتلاك الموارد التي تستخرجها من الكويكبات وقد حذت حذوها عدة دول مثل الإمارات ولوكسمبورغ،
مما أثار غضب روسيا والصين اللتين اعتبرتا هذا الأمر خرقاً للقانون الدولي.
الأخطر من ذلك هو تحول الفضاء إلى ساحة محتملة للصراع العسكري فالقدرات المضادة للأقمار الصناعية التي تطورها الصين وروسيا والولايات المتحدة تهدد البنية التحتية الفضائية
التي يعتمد عليها العالم في الاتصالات والملاحة والمراقبة والخدمات المصرفية إن تدمير قمر صناعي واحد يمكن أن يشل أجزاء كبيرة من الاقتصاد العالمي
ويعطل الخدمات الحيوية هذا الواقع دفع الناتو إلى الاعتراف بالفضاء كمجال عمليات عسكري،
مما يعني أن الحروب المستقبلية قد تمتد من الأرض إلى الفضاء.
في الختام، نحن نقف على أعتاب مرحلة جديدة من التنافس البشري، حيث لم تعد الحدود الأرضية وحدها مصدر النزاع، بل امتد الصراع إلى السماوات،
السؤال المطروح الآن هو هل سنستطيع كبشر أن نطور إطاراً قانونياً عادلاً يمنع تحول الفضاء إلى ساحة للصراع واستغلال القوي للضعيف، أم أننا سنكرر أخطاءنا الأرضية في الفضاء الشاسع؟
الإجابة على هذا السؤال ستحدد ليس فقط مستقبل العلاقات الدولية، بل مستقبل الجنس البشري ككيان فضائي ناشئ.
محكمة النقض