13 ديسمبر 2025

أحداث 7 أكتوبر 2023 كانت بمثابة صاعقة على النظام الإيراني، ليس فقط على صعيد السياسة الإقليمية، بل على صعيد الاستقرار الداخلي نفسه. إيران التي اعتادت لعب دور القوة الإقليمية القادرة على التحكم في مسارات الصراع، وجدت نفسها فجأة أمام مأزق مركب: دعم الفصائل الفلسطينية يكلفها اقتصادياً، ويزيد عزلةً دبلوماسية، ويستنزف مواردها الأمنية، فيما المواطن الإيراني يدفع الثمن غالياً من معيشته اليومية.
إن التحركات الإيرانية بعد 7 أكتوبر لم تُظهر حنكة استراتيجياً، بقدر ما كشفت هشاشة النظام في إدارة أزماته الداخلية والخارجية. فبالرغم من الخطاب الثوري الموجه داخلياً لتعزيز الولاء، فإن الانقسام داخل النخبة الحاكمة أصبح واضحاً: جناح يرى أن الصراع الإقليمي أولوية استراتيجية، وجناح يحذر من أن كلفته تفوق المكاسب. هذا الانقسام انعكس في ارتباك القرارات، وتناقض الرسائل، وغياب خطة واضحة لمواجهة تحديات الداخل والخارج.
اقتصادياً، ضاعفت المشاركة الرمزية في الصراع الفلسطيني الضغوط على خزينة الدولة، بينما يعاني المواطن الإيراني من تضخم غير مسبوق، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، وفقدان الثقة في القدرة الشرائية. وفي الوقت نفسه، أصبحت إيران أكثر عزلةً دولياً، حيث اعتبرها الغرب والدول الإقليمية فاعلاً مزعزعاً للاستقرار، ما حدّ من قدرتها على إيجاد حلول دبلوماسية أو استثمارات دولية تعيد التوازن إلى اقتصادها.
على الصعيد العسكري، إن الاعتماد على وكلاء إقليميين لتفادي مواجهة مباشرة مع إسرائيل قد يبدو ذكياً تكتيكياً، لكنه على المدى المتوسط يضعف قدرة النظام على الردع المباشر، ويستنزف الموارد والوقت، ويعرض مصالحه للخطر. الداخل الإيراني يدفع الثمن هنا أيضاً: مزيد من القمع، وتشديد القبضة الأمنية، ومراقبة الإعلام والفضاء الرقمي، في ظل شعور متزايد لدى المواطنين بأن النظام يحمي مصالحه على حساب حياتهم اليومية.
في الخلاصة، إيران بعد 7 أكتوبر ليست قوة متماسكة كما كانت تُسوّق لنفسها؛ بل نظام متعب، منهك اقتصادياً، معزول سياسياً، ومنقسم داخلياً. الأزمات تتراكم، والمواطن يدفع الثمن، والقيادة تواجه اختباراً وجودياً حقيقياً. ما لم تتخذ طهران خطوات إصلاحية جذرية، فإن المخاطر الداخلية والإقليمية ستتفاقم، وربما تصل إلى مرحلة لا يمكن فيها التحكم في التدهور التدريجي للنظام.