15 ديسمبر 2025

دخل النزاع الحدودي المتجدد بين تايلاند وكمبوديا أسبوعه الثاني، وسط تصعيد ميداني ملحوظ واتساع رقعة الاشتباكات لتشمل مناطق ساحلية متنازع عليها، في تطور يهدد بمزيد من التدهور الإنساني والأمني في جنوب شرقي آسيا. وأعلنت السلطات التايلاندية، الأحد، فرض حظر تجول في إقليم ترات جنوب شرقي البلاد، بعد امتداد القتال إلى مناطق قريبة من الساحل، في خطوة تعكس خطورة الوضع الميداني واستمرار التوتر بين البلدين.
وجاء قرار حظر التجول، الذي شمل خمسة أحياء في إقليم ترات المحاذي لإقليم كوه كونغ الكمبودي، مع استثناء جزيرتي كوه تشانغ وكوه كود السياحيتين، بعد يومين فقط من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن تايلاند وكمبوديا اتفقتا على وقف القتال. غير أن الحكومة التايلاندية سارعت إلى نفي هذا الإعلان، مؤكدة أن الاشتباكات لا تزال مستمرة، وهو ما أكدته التطورات الميدانية اللاحقة.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع التايلاندية، الأميرال سوراسانت كونجسيري، في مؤتمر صحافي عقد في بانكوك، إن “الاشتباكات مستمرة بشكل عام”، رغم تأكيد كمبوديا مجدداً استعدادها لوقف إطلاق النار. وأوضح أن بلاده منفتحة على الحلول الدبلوماسية، لكنه شدد على أن “على كمبوديا أن توقف العمليات القتالية أولاً قبل الدخول في أي مفاوضات”.
وكان الجيش التايلاندي قد فرض في وقت سابق حظر تجول مماثلاً في إقليم ساكيو شرق البلاد، ولا يزال القرار سارياً حتى الآن، في إطار إجراءات أمنية مشددة تهدف إلى حماية المدنيين ومنع تسلل أعمال العنف إلى المناطق السكنية.
وفي تطور خطير، أعلنت وزارة الصحة التايلاندية مقتل مدني يبلغ من العمر 63 عاماً، الأحد، خلال اشتباكات حدودية مع كمبوديا، في أول وفاة مدنية داخل تايلاند منذ تجدد النزاع قبل أسبوع. وبهذا، ارتفعت حصيلة قتلى الاشتباكات التي اندلعت في 7 ديسمبر (كانون الأول) الجاري إلى ما لا يقل عن 26 شخصاً، بينهم 14 جندياً تايلاندياً و11 مدنياً كمبودياً، إضافة إلى إصابات عديدة ونزوح يقدَّر بنحو 800 ألف شخص على جانبي الحدود، وفق مصادر رسمية.
وعلى الصعيد الإنساني، تتفاقم معاناة المدنيين الفارين من مناطق القتال. فمن أحد مخيمات إيواء النازحين في مقاطعة بانتاي مينتشي الكمبودية الحدودية، عبّر شون ليب (63 عاماً) عن حزنه لاستمرار القتال، قائلاً: “أنا هنا منذ ستة أيام، وأشعر بقلق شديد على منزلي وماشيتي. أريد فقط أن يتوقف هذا القتال”. وتبادل الطرفان الاتهامات باستهداف المدنيين وإشعال المواجهات.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن، الجمعة، أنه أجرى اتصالين هاتفيين مع رئيس حكومة تصريف الأعمال التايلاندية أنوتين تشارنفيراكول، ورئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت، وأن الجانبين وافقا على “وقف إطلاق نار كامل”. غير أن رئيس الحكومة التايلاندية أكد، السبت، أن بلاده ستواصل القتال “حتى تشعر بأن أرضها وشعبها في مأمن من أي تهديد”.
من جهته، قال متحدث باسم البيت الأبيض إن ترمب يتوقع من الطرفين احترام التزامات وقف القتال، مؤكداً أن الولايات المتحدة “ستحاسب أي طرف عند الضرورة لوقف القتل وضمان السلام الدائم”. إلا أن مسؤولين عسكريين تايلانديين أفادوا باستمرار القصف الكمبودي على عدد من المقاطعات الحدودية، مساء السبت وصباح الأحد، وهو ما نفته بنوم بنه، متهمة القوات التايلاندية بمواصلة إطلاق قذائف الهاون على المناطق الحدودية.
وأدى إغلاق كمبوديا لكافة المعابر الحدودية مع تايلاند، السبت، إلى تعقيد أوضاع آلاف المهاجرين العالقين. وروت تشيف سوكون (38 عاماً)، وهي مهاجرة كمبودية، أنها اضطرت للعودة مع ابنها إلى بلادها، بينما بقي زوجها في تايلاند للعمل، قبل أن تُغلق الحدود فجأة. وقالت بقلق: “أخشى عليه، وأطلب منه ألا يتجول كثيراً، نخاف أن يتعرض للأذى إذا عُرف أنه كمبودي”.
وتعود جذور النزاع بين البلدين إلى خلافات تاريخية حول السيادة على مناطق حدودية تضم معابد تعود إلى إمبراطورية الخمير، على طول حدود تمتد لنحو 800 كيلومتر، رُسمت مطلع القرن العشرين خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية. وشهدت هذه المناطق موجات عنف متكررة، كان آخرها في يوليو (تموز) الماضي، حين قُتل 43 شخصاً خلال خمسة أيام، قبل التوصل إلى وقف لإطلاق نار برعاية دولية. غير أن هذا الاتفاق انهار لاحقاً، ما أعاد إشعال النزاع مجدداً، وسط مخاوف متزايدة من انزلاق الأوضاع إلى مواجهة أوسع.