04 مايو 2025
إننا اليوم لا نحتفل بيومٍ تحرّرت فيه الكلمة وأصبحت تُقال على الملأ دون خوف أو تردّد، إنما نحتفل بكل الأيام التي قِيلت فيها الكلمة بصدق.
فلا شك أن الصحافة مرّت بمراحل عدّة في مختلف البلاد، محليًا وعالميًا، وأنها شهدت فترات عصيبة من التكميم وتقييد الظهور بشكلٍ صادق وشفّاف وصريح.
لكن تظل المرحلة الأنجح والأطهر هي تلك التي لاحت بظهورِ يومٍ جديد يدعم حرية الكلمة والمتلقي.
إن الصحافة الصادقة هي أساس الديمقراطية والعدالة في البلاد، بل هي المؤشّر الذي يعبّر عن وجود "إنسان" يُدلي بآراءٍ وأفكار، ليس من الضروري أن تكون وردية، بقدر ما يجب أن تكون واقعية؛ ليتلقاها "إنسان" آخر يتمكّن من تكوين نظرته للأمور، فيصل إلى دوافعه وحقوقه التي يجب أن يحصل عليها، بعد أن يُقدّم واجباته بأكملها.
الصحافة وسيادة الدولة
كثيرًا ما يرد على مسامعنا نقاشات ومقتطفات عن علاقة الأمن القومي بالغذاء والطاقة، ولا أذكر أن هناك من يذكر علاقة الصحافة بسيادة الدولة وأمنها القومي.
وعلى الرغم من ذلك، فإنها حقيقة لا تُنكر؛ إذ إن الدولة القوية لا تظهر إلا تحت عباءة الصحافة.
فالتيارات المُضادة للوطنية لا تتمكن من دولة إلا إذا سمحت بذلك صحافة هشّة، سيّدها "الترافيك" وعدد المشاهدات.
فإذا أردت أن تعرف الثغرة الأولى التي استغلها عدوّ أي دولة ونال منها، فعليك أولًا أن تُدقّق النظر فيما يُصاغ بالصحف والجرائد، ويُنطق في البرامج التلفزيونية المختلفة.
وتُعتبر الصحافة بشكلٍ عام أداة، أحد حدّيها سِلم، والآخر حرب. فكلمات حرة، صادقة وقوية، ليست كتلك المُقيّدة التي يكسوها الكذب والضعف.
الخياران يُسفران عن وجود جريدة أو برنامج إعلامي، وربما جماعات ومجتمعات تتبعهما، لكن شتّان الفرق بينهما.
الصحافة والمجتمع
إذا كان المجتمع هو المسؤول عن تشكيل الصحافة - مهما كان اتجاهها - فالصحافة هي مرآة المجتمع؛ تنظر إلى أحدهما فتتعرّف على الآخر، وتُدرك أن الخلل الذي يظهر في واحدٍ منهما، بالضرورة سيتبعه خلل في الآخر.
وإننا لا نُزكّي أنفسنا على الأخطاء "الواردة" التي تُصيب المجتمعات التي تُعاني من زيادة عدد السكان وما يتبعها من ظواهر، إنما على الأخطاء "المتعمدة" التي تُلقي الداء وتُعمِي نظرها فلا تُبصر الدواء أبدًا.
إن المجتمع السليم - مهما كانت مشاكله - هو الذي يظهر في صورته الوحيدة متدرّجًا نحو الرغبة في الصواب؛ فيعترف بمشكلاته، ثم يبحثها، فيضع الحلول المناسبة.
ولا أجد أنسب من الصحافة لمتابعة تلك الدورة من نقطة البداية حتى يصل المجتمع شامخًا، عالي الرأس، فتضع سيدة البلاط الملكي - الصحافة - تاجها مُزيَّنًا ومُهَيّأ فوق رأسه.
الصحافة وذاتها
على الرغم من ارتباط الصحافة بجميع مجالات المجتمع وتدخلها في كافة الشؤون الداخلية والخارجية، فإنها تظل المجال الوحيد المستقل الذي لا تتدخل فيه أي جهة من الجهات المعنية بالدولة، بما فيهم الحكومة؛ إذ إن الحكومة لا تتدخل إلا في الأمور التي تتعلق بين الصحافة والأمن القومي، ولا سيما في تلك الحُقبة التي تُحفّز الاستقلالية والحرية.
فنرى حرية التعبير عن الرأي - في مختلف وسائل الإعلام - وحرية تبنّي الأفكار، وبالتالي حرية الدولة ككل، سواء في الأمور الداخلية وما يتعلق بأمن وسلامة المجتمع الأيديولوجية، أو الأمور الخارجية التي تتعلق بتواجد الدولة، إعمالًا بمبدأ:
"أنا حُر، إذن أنا موجود".