07 نوفمبر 2025

في اللحظة التي تتصاعد فيها الجرائم بحق الفلسطينيين أمام أعين العالم، وفي الوقت الذي تتراكم فيه التقارير والشهادات والصور التي تهزّ الضمير الإنساني، تختار كازاخستان أن تعلن انضمامها إلى الاتفاقيات الإبراهيمية. توقيتٌ لا يمكن وصفه إلا بأنه طعنة سياسية في ظهر قضيةٍ لا تزال تنزف يوميًا، وشعبٍ يواجه أقسى أشكال القمع والتهجير. فأن تتجه دولة بحجم كازاخستان إلى هذا الخيار الآن تحديدًا، فذلك لا يبدو خطوة دبلوماسية محايدة، بل اصطفافًا واضحًا في لحظةٍ لا تحتاج إلى مزيد من الالتباس بل إلى مواقف شجاعة .
كان بإمكان كازاخستان – لو أرادت فعلاً أن تلعب دورًا إيجابيًا – أن تربط أي تقارب سياسي أو اقتصادي بموقفٍ أخلاقي واضح: وقف الانتهاكات، احترام الحقوق، دعم حلّ عادل لا تلتهمه القوة. لكنها اختارت العكس؛ اختارت التوقيع بينما غزة تُمحى، والضفة تُخنق، والقدس تُبتلع. أي رسالة يمكن أن تُفهم من ذلك غير أن الحسابات المادية غلبت على المبادئ، وأن صوت السوق كان أعلى من صوت الضمير؟
جاء القرار في مرحلة تُظهر فيها الشعوب تضامنًا أكبر من بعض الحكومات. من هنا تبدو خطوة كازاخستان غير مفهومة إلا إذا قُرئت على أنها محاولة لكسب رضا أطرافٍ قوية على حساب شعب أعزل. إنها ليست مجرد حركة سياسية، بل إعلان ضمني بأن القضية الفلسطينية – بالنسبة لها – يمكن تجاوزها، أو تأجيلها، أو التضحية بها حين تتطلب المصالح ذلك .
وما يزيد الجرح اتساعًا هو أن كازاخستان كانت تُقدَّم دائمًا كدولة تعتمد لغة التوازن والوساطة، وتتباهى بعدم انخراطها في محاور تُفاقم الصراعات. لكن هذا القرار يضعها في خانةٍ مختلفة تمامًا، خانة الذين يمرّون فوق آلام الشعوب ليكسبوا مكانًا في طاولات تُدار وفق مصالح الآخرين. لقد تحوّل الحياد إلى مساومة، والدبلوماسية إلى صفقة، والتوقيت إلى فضيحة .
قد يقول البعض إن الانضمام خطوة اقتصادية، أو بحث عن شراكات جديدة. لكن أي اقتصاد هذا الذي يستقيم على أنقاض الموقف الأخلاقي؟ وأي شراكة تُبنى على تجاهل العدالة؟ إن الدول لا تُختبر في رخائها، بل في لحظات الحقيقة؛ وكازاخستان فشلت في لحظة الحقيقة حين اختارت التوقيع بينما الفلسطينيون يشيّعون موتاهم ويحمون أرضهم بأيديهم العارية .
إن الانضمام في هذا التوقيت تحديدًا لا يمكن تلميعه ولا تبريره. إنه خيانة سياسية لمبادئ طالما تباهت بها كازاخستان، قبل أن تكون خيانة للقضية الفلسطينية نفسها. خطوة ستبقى علامة سوداء في سجلّها الدبلوماسي، مهما حاول الإعلام الرسمي تغطيتها بالحديث عن تعاون أو استثمار أو انفتاح. ففي النهاية، سيظل السؤال قائمًا: كيف يمكن لدولة أن تتحدث عن “السلام” بينما تصافح يدًا في اللحظة التي تُجرَف فيها بيوت الفلسطينيين وتُقطع أوصالهم؟
إن التاريخ لن ينسى هذا التوقيت، ولن يغفر. ومن يخون القضايا العادلة حين تكون في أمسّ الحاجة إلى الدعم، يخسر احترام الشعوب قبل أن يخسر مكانته السياسية. لقد اختارت كازاخستان أن تقف في الجانب الخطأ من لحظة مفصلية، وهذا قرار ستدفع ثمنه معنويًا أكثر مما تتصور .