فكرة ليست بجديدة في عالم الاقتصاد ولكنها تكتسب زخماً عالمياً غير مسبوق في مواجهة أزمتي المناخ والديون معاً
24 سبتمتبر 2025
بينما تغرق مصر تحت وطأة الديون التي أنهكت اقتصادها لعقود، تلوح في الأفق فرصة ذهبية قد تنقلب فيها هذه الآلية المالية من نقمة إلى نعمة،
من قيد ثقيل إلى محرر للطاقات، إنها فكرة "الديون الخضراء" أو "مقايضة الديون بالمناخ"،
وهي فكرة ليست بجديدة في عالم الاقتصاد ولكنها تكتسب زخماً عالمياً غير مسبوق في مواجهة أزمتي المناخ والديون معاً تخيل معي أن الدائنين،
بدلاً من مطالبة مصر بسداد أموال قد لا تمتلكها في الوقت الراهن، يوافقون على إسقاط جزء من هذه الديون أو إعادة هيكلتها بشروط جديدة،
شروط خضراء بمعنى أن تقوم مصر بدلاً من تحويل العملة الصعبة لسداد القروض، باستثمار ما يعادل قيمة هذه الأموال محلياً في مشاريع طاقة متجددة شمسية ورياحية،
مشاريع تحول أشعة الشمس الساطعة التي لا تنضب ورياحها المستمرة إلى طاقة نظيفة تغذي المصانع والمنازل وتدير عجلة الإنتاج.
هذه الصفقة ليست مجرد حلم مثالي، بل هي معادلة رابحة للجميع فالدائن، سواء كان دولة أو مؤسسة مالية دولية،
يحقق عدة أهداف دفعة واحدة يساهم في خفض انبعاثات الكربون العالمية وهو التزام على كل الدول،
يدعم استقرار دولة محورية في منطقة مضطربة مثل الشرق الأوسط، ويحسن صورته كشريك ملتزم بالتنمية المستدامة والأجندة الخضراء،
أما مصر، الطرف الأكثر استفادة، فستتخلص من جزء من عبء الدين الذي يستنزف خزينتها ويحد من قدرتها على الإنفاق على الصحة والتعليم والبنية التحتية،
وتحصل على استثمارات ضخمة في بنية تحتية جديدة وحيوية بدون ضغط مالي إضافي، بل باستثمار أموال كانت ستذهب أصلاً لسداد الديون.
الفوائد الاقتصادية المتتالية مثل تدفقات هواء نقي تدب في شرايين الاقتصاد ستكون هائلة مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تحتاج إلى أيدي عاملة محلية،
مما يخلق آلاف الوظائف الجديدة في التصنيع والتركيب والصيانة للشباب المصري،
كما يخفف من حدة البطالة انخفاض فاتورة الطاقة سيكون أحد أكبر المكاسب،
فمصر تنفق مليارات الدولارات سنوياً على دعم الوقود الأحفوري واستيراده،
بينما الطاقة المتجددة محلية المصدر وتكلفتها التشغيلية شبه معدومة بعد تركيبها هذا التوفير يمكن توجيهه لقطاعات إنتاجية أخرى .
الأهم من ذلك، أن الطاقة الرخيصة والمستقرة هي أقوى مغناطيس لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة عندما تستطيع الشركات العالمية والمحلية الاعتماد على شبكة طاقة قوية وغير مكلفة،
سيتحسن مناخ الاستثمار بشكل جذري، خاصة للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة سيخلق هذا حلقة اقتصادية حميدة طاقة متجددة رخيصة تدعم الصناعة،
تخلق فرص عمل ودخلاً أعلى، يزيد من القدرة الشرائية وينعش السوق المحلي،
وكل هذا يؤدي إلى نمو اقتصادي متسارع يزيد من إيرادات الدولة من الضرائب وبالتالي قدرتها على إدارة ديونها المتبقية بشكل أفضل .
لكن تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس يتطلب إرادة سياسية قوية من الحكومة المصرية ومرونة ورؤية من الدائنين،
ويجب وضع إطار قانوني ومالي واضح وشفاف يضمن أن الأموال التي تم إسقاطها من الديون تستثمر فعلياً في مشاريع مستدامة وليست مجرد تحويل لأموال من حساب لآخر،
ويجب إنشاء آلية رقابية مشتركة بين الحكومة والدائنين والمجتمع المدني لتتبع هذه الاستثمارات وقياس أثرها البيئي والاقتصادي بشكل دوري.
حجم التحديات لن تكون بسيطة، بدءاً من المفاوضات المعقدة مع دائنين متعددين لديهم شروط وأجندات مختلفة،
ومروراً بالحاجة إلى تطوير البنية التنظيمية والتقنية المحلية لاستيعاب هذه الطفرة في مشاريع الطاقة الخضراء،
ووصولاً إلى إدارة التوقعات وضمان استمرارية التمويل لهذه المشاريع طويلة الأجل .
في النهاية، الديون الخضراء ليست مجرد أداة مالية ذكية، بل هي نموذج للتعاون الدولي المسؤول،
الاعتراف بأن أزمات الديون والمناخ مترابطة ولا يمكن حلها بمعزل عن بعضها لمصر فرصة تاريخية لقيادة هذه الموجة في المنطقة،
لتحويل شمسها الذهبية من مجرد رمز سياحي إلى مصدر حقيقي للثروة والقوة، ولتحويل ديونها المثقلة إلى استثمارات في مستقبل أكثر اخضراراً واستقراراً وازدهاراً لأجيالها القادمة،
القرار الآن بين أيدي صناع السياسة، فلينظروا إلى الديون ليس كجبل من الهموم، بل كبذرة يمكن أن تُزرع اليوم لتنمو غداً وتثمر طاقةً وحياةً جديدة.
محكمة النقض