بحث


د.أحمد صفوت السنباطي يكتب: الحرب الثقافية الخفية على منصات التواصل الاجتماعي

27 سبتمتبر 2025

د.أحمد صفوت السنباطي يكتب: الحرب الثقافية الخفية على منصات التواصل الاجتماعي

في العصر الرقمي، حيث أصبح الهاتف الذكي نافذة الشباب الأولى على العالم، تدور معركة صامتة وحادة على أكثر المنصات شعبية،

معركة لا تستخدم فيها القنابل ولا الرصاص، بل الرموز والكليشيهات والمقاطع المرئية القصيرة التي تخترق العقل والقلب معاً..

هذه هي الحرب الثقافية الخفية التي تشنها خطابات متعددة لاقتناص عقول الشباب وتشكيل هوياتهم، وفي قلب هذه الساحة، يصطدم خطابان قويان،

كل منهما يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة الخطاب الرسمي للدولة من ناحية، بمؤسساته الإعلامية الضخمة وشخصياته المؤثرة التي تحاول ترسيخ نموذج وطني للهوية،

هوية تقوم على مفاهيم الانتماء للوطن، وضرورة الاستقرار، والتنمية، وتبني تفسير معتدل للدين يخدم سياق المجتمع ويساند رؤية الدولة المستقبلية.

وفي الجهة المقابلة، لا تمثل الخطابات الدينية المتشددة كتلة واحدة متجانسة، بل هي خليط معقد من التيارات السلفية والجهادية والتبشيرية، من خلال منصات ومواقع ومواقع يوتيوب الخفية، تقدم خطاباً مغايراً يعمل على تأجيج وتأجيج المشاعر الدينية وتوظيفها لخدمة أجندة مضادة، خطاب يزرع الشك في كل ما هو رسمي، ويقدم نفسه كبديل "أصيل" و"نقي" لم يُلوثه التعاون مع السلطة. 

ما يجعل هذه الحرب أخطر من أي حرب مكشوفة هو طابعها غير المباشر، فهي لا تهاجم بل تتسلل عبر الثغرات العاطفية العقول الفكرية للشاب بل،

تقدم لهم إجابات جاهزة وبسيطة لأسئلة معقدة عن الهوية والوجود والغاية، وتمنحهم شعوراً زائفاً بالتميز والأهمية والانتماء إلى نخبة "المختارين" أو "المحققين للحق".

في عالم يعج بالضبابية الأخلاقية والاضطراب ان الخطر الأكبر هو أن كلا الخطابين، في سعيه للهيمنة،

قد يساهمان في تفكيك الهوية المركبة للشباب، التي هي بطبيعتها خليط من الدين والوطنية والثقافة الشعبية والعولمة، ويحاولان حصرهم في هويات أحادية صلبة،

إما أنك "مواطن مطيع" أو "مجاهد في سبيل الله"، إما أنك مع "المنظومة" بالكامل أو ضدها. 

تدور المعركة حول رموز الهوية الأكثر حساسية، فترى التيارات المتشددة تهاجم الاحتفالات الوطنية والأغاني والفنون واختلاط الجنسين وتدريس الفتاة وعمل المرأة،

وتصورها كتهديد للهوية الدينية، بينما يحاول الخطاب الرسمي استعادة هذه الرموز وتقديمها كجزء من التراث والهوية الوطنية التي لا تعارض الدين وفي خضم هذا الصراع،

يجد الشباب نفسه في حيرة، مطحوناً بين مطرقة خطاب رسمي قد يبدو له أحياناً جامداً وبعيداً عن همومه اليومية،

وسندان خطاب متشدد يغذي شعوره بالإحباط والغضب ويوهمه بأن "الجهاد" ضد هذا الواقع هو الحل. 

النتيجة ليست انحيازاً كاملاً لأحد الطرفين، بل هي غالباً حالة من التمزق والالتباس، حيث يعيد الشباب تركيب هويتهم بشكل انتقائي،

فيأخذون من هنا وهناك، ربما يتبنون الشكل الخارجي للتدين المتشدد بينما يمارسون في الخفاء حياة عادية، يظهرون الولاء للخطاب الرسمي في العلن،

بينما يستهلكون في السر محتوى مناقضاً له لكن الخاسر الأكبر هو فكرة الهوية الموحدة والسلم المجتمعي،

حيث تتحول منصات التواصل من فضاء للحوار إلى ساحات للتصفية والاتهام بالكفر والخيانة،

مما يهدد بتمزق النسيج الاجتماعي نفسه في النهاية، هذه الحرب الخفية ليست مجرد صراع على "لأيك" أو "مشاركة"،

بل هي معركة على الروح والهوية، معركة ستحدد شكل المجتمعات العربية لسنوات قادمة،

والوعي بطبيعتها الخفية والمخادعة هو أول خطوة نحو تحصين الشباب ضد استقطابها المدمر،

ومساعدتهم على بناء هوية مرنة وقادرة على مكونات عصرهم دون انغلاق أو انهيار.


بوابة حياة نيوز أخبار بوابة حياة نيوز بوابة الحياة نيوز الخطاب الرسمي الخطاب الديني المتشدد الشباب الدولة الجهاد المجتمعات الهوية النسيج الاجتماعي
شاهد أيضًا
سماح صادق قناوي تكتب: احمرُ الوجع

سماح صادق قناوي تكتب: احمرُ الوجع

19 نوفمبر 2025
الحسين عبد الرازق يكتب: قراءة في كلمة الرئيس

الحسين عبد الرازق يكتب: قراءة في كلمة الرئيس

19 نوفمبر 2025
عبدالمنعم ابراهيم يكتب :افتتاح محطات موانئ بورسعيد إنجاز استراتيجي يرسّخ مكانة مصر اللوجستية عالمياً

عبدالمنعم ابراهيم يكتب :افتتاح محطات موانئ بورسعيد إنجاز استراتيجي يرسّخ مكانة مصر اللوجستية عالمياً

16 نوفمبر 2025
إبراهيم عمران يكتب: العمدة هاشم محمد هاشم… حضور مجتمعي ممتد ورهان أهالي المراغة في جولة الإعادة 2025

إبراهيم عمران يكتب: العمدة هاشم محمد هاشم… حضور مجتمعي ممتد ورهان أهالي المراغة في جولة الإعادة 2025

15 نوفمبر 2025
د.شيرين علوان تكنب: الخليّة الفدائيّة… حين يتحوّل حارس الجسد إلى خصمٍ شرس

د.شيرين علوان تكنب: الخليّة الفدائيّة… حين يتحوّل حارس الجسد إلى خصمٍ شرس

14 نوفمبر 2025
د.أحمد صفوت السنباطي يكتب: الصراع الخفي على موارد الفضاء والقوانين الكونية

د.أحمد صفوت السنباطي يكتب: الصراع الخفي على موارد الفضاء والقوانين الكونية

13 نوفمبر 2025
إبراهيم عمران يكتب: «شاعر المليون».. منبر يُجدد روح الشعر ويحتفي بالمواهب الأصيلة

إبراهيم عمران يكتب: «شاعر المليون».. منبر يُجدد روح الشعر ويحتفي بالمواهب الأصيلة

12 نوفمبر 2025
هويدا درويش تكتب: ياما كان فى نفسي

هويدا درويش تكتب: ياما كان فى نفسي

11 نوفمبر 2025
منال محمد تكتب: حياة بتموت

منال محمد تكتب: حياة بتموت

11 نوفمبر 2025
يحيى الشربيني يكتب: قرارٌ غامض يهزّ المنطقة… لماذا اختارت كازاخستان الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية في هذا التوقيت الحارق؟

يحيى الشربيني يكتب: قرارٌ غامض يهزّ المنطقة… لماذا اختارت كازاخستان الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية في هذا التوقيت الحارق؟

07 نوفمبر 2025
عيد فؤاد يكتب: حلم الأهالي..”مشروع الأجيال” تدشين مركز شباب

عيد فؤاد يكتب: حلم الأهالي..”مشروع الأجيال” تدشين مركز شباب

07 نوفمبر 2025
الحسين عبدالرازق يكتب: بين ترامب وممداني.. نيويورك على أعتاب مرحلة جديدة

الحسين عبدالرازق يكتب: بين ترامب وممداني.. نيويورك على أعتاب مرحلة جديدة

07 نوفمبر 2025
رقية فريد تكتب: «مصر».. أرض الكنانة والخلود

رقية فريد تكتب: «مصر».. أرض الكنانة والخلود

01 نوفمبر 2025
سماح صادق قناوي تكتب: خفاء قلب

سماح صادق قناوي تكتب: خفاء قلب

31 اكتوبر 2025
يحيى الشربيني يكتب: النيل لا يعرف الحدود.. مصر تتحرك لحماية السودان من الانهيار

يحيى الشربيني يكتب: النيل لا يعرف الحدود.. مصر تتحرك لحماية السودان من الانهيار

29 اكتوبر 2025
الحسين عبد الرازق يكتب:رسالة سلام من مصر

الحسين عبد الرازق يكتب:رسالة سلام من مصر

28 اكتوبر 2025
سماح صادق قناوي تكتب: ألَمُ أم أمل؟

سماح صادق قناوي تكتب: ألَمُ أم أمل؟

17 اكتوبر 2025
جرجس إبراهيم يكتب: «نادر شكري».. البرلمان وقضايا الأقباط

جرجس إبراهيم يكتب: «نادر شكري».. البرلمان وقضايا الأقباط

17 اكتوبر 2025
المال السياسي تحت قبة البرلمان...وعزوف الشباب

المال السياسي تحت قبة البرلمان...وعزوف الشباب

15 اكتوبر 2025
الحسين عبدالرازق يكتب: قمة الأمل في مدينة السلام

الحسين عبدالرازق يكتب: قمة الأمل في مدينة السلام

15 اكتوبر 2025
التعليقات