بحث


يحيى الشربيني يكتب: النيل لا يعرف الحدود.. مصر تتحرك لحماية السودان من الانهيار

29 اكتوبر 2025

يحيى الشربيني يكتب: النيل لا يعرف الحدود.. مصر تتحرك لحماية السودان من الانهيار

تشهد العلاقات المصرية السودانية واحدة من أعمق الروابط التاريخية في القارة الأفريقية، فهي علاقة تجمعها الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة التي تمتد لآلاف السنين. ومع اندلاع الأحداث المؤسفة في السودان منذ منتصف أبريل 2023، إثر المواجهات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، برز الدور المصري بوصفه أحد الأعمدة الأساسية في التعامل الإقليمي مع الأزمة، سواء على الصعيد السياسي أو الإنساني أو الأمني، حيث سعت القاهرة منذ اللحظة الأولى للحفاظ على وحدة الدولة السودانية ومنع انزلاقها إلى الفوضى .

منذ اندلاع الصراع، اتخذت مصر موقفًا ثابتًا يقوم على الدعوة إلى وقف إطلاق النار الفوري والحفاظ على كيان الدولة ومؤسساتها الوطنية، وفي مقدمتها الجيش السوداني باعتباره الضامن الرئيسي لوحدة البلاد. وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة أن مصر لا تنحاز لطرف ضد آخر، بل تنحاز إلى السودان كدولة وشعب، وترفض أي تدخل خارجي أو محاولة لفرض الوصاية على قراره الوطني. ومن هذا المنطلق، كثفت الدبلوماسية المصرية تحركاتها الإقليمية والدولية في سبيل إيجاد تسوية سلمية للأزمة، وعقدت القاهرة سلسلة من اللقاءات مع القوى السياسية السودانية للتقريب بين وجهات النظر وتشجيع الحوار الوطني الشامل الذي يضم جميع المكونات .

ولم تكتفِ مصر بالتحرك السياسي فحسب، بل بادرت إلى إطلاق جهد إنساني واسع النطاق، حيث فتحت معبري قسطل وأرقين على الحدود الجنوبية لاستقبال النازحين السودانيين الفارين من مناطق القتال، وقدمت الدولة المصرية كافة أشكال الدعم والرعاية لهم. وتم السماح بدخول عشرات الآلاف من السودانيين إلى الأراضي المصرية، وتم توفير المأوى والرعاية الصحية لهم، إلى جانب إتاحة الفرصة لأطفالهم للالتحاق بالمدارس المصرية في مختلف المحافظات. كما نظمت هيئة الهلال الأحمر المصري بالتعاون مع القوات المسلحة ووزارة التضامن الاجتماعي قوافل إغاثية ضخمة إلى داخل السودان، حملت مواد غذائية وطبية ومستلزمات معيشية للمحتاجين، مما يعكس التزام مصر الأخلاقي والإنساني تجاه أشقائها في السودان .

وفي إطار جهود الوساطة، استضافت القاهرة في يوليو 2023 قمة دول الجوار السوداني بمشاركة قادة سبع دول أفريقية، بهدف تنسيق المواقف ودعم المسار السياسي. وقد خرجت القمة بجملة من التوصيات التي شددت على ضرورة وقف إطلاق النار، ورفض أي تدخل خارجي في الشأن السوداني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين، وتهيئة المناخ للحوار بين الأطراف السودانية. واعتبر مراقبون أن هذه القمة مثلت خطوة مهمة في إعادة صياغة الموقف الإقليمي، وأكدت أن مصر ما زالت تمارس دورها التقليدي كدولة مركزية تعمل من أجل استقرار جوارها الجنوبي .

ولا يمكن إغفال البعد الأمني في التحرك المصري تجاه الأزمة السودانية، فاستقرار السودان يشكل عمقًا استراتيجيًا لمصر من الجنوب، وأي اضطرابات ممتدة هناك تؤثر مباشرة على أمن الحدود المصرية وعلى أمن مياه النيل، مصدر الحياة للشعبين. ومن هذا المنطلق، تتعامل القاهرة مع الأزمة بحذر ومسؤولية، محاولة الموازنة بين دعم الحل السياسي الداخلي والحفاظ على أمنها القومي. كما تتابع مصر عن كثب تداعيات النزاع على حركة الجماعات المسلحة وتهريب السلاح في المناطق الحدودية، وتسعى إلى منع امتداد آثار الصراع إلى أراضيها أو إلى دول الجوار الأخرى .

لقد أدركت القاهرة منذ البداية أن استمرار الصراع في السودان لن يضر فقط بالسودان نفسه، بل سيترك آثارًا خطيرة على استقرار المنطقة بأكملها، خاصة في ظل هشاشة الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي وتزايد التنافس الدولي عليها. ومن ثمّ فإن السياسة المصرية تجاه السودان تنبع من رؤية شاملة تستند إلى مبدأ أن أمن السودان واستقراره هو جزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي، وأن الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ضرورة لا غنى عنها من أجل منع انهيارها وتجنب تكرار سيناريوهات الفوضى التي شهدتها دول أخرى في المنطقة.

إن الدور المصري في التعامل مع أحداث السودان يعكس ثوابت السياسة المصرية القائمة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، مع دعم كل ما من شأنه أن يعزز استقرارها ووحدتها. وهو دور يجمع بين البعد الإنساني والسياسي والاستراتيجي، ويجسد حقيقة العلاقة التي تربط الشعبين المصري والسوداني، علاقة لا تحدها حدود، ولا يغيرها اختلاف المواقف أو تقلبات السياسة، لأنها قائمة على رابطة نهر واحد ومصير واحد لا ينفصل


مصر السودان الدور المصري النيل القارة الافريقية الرئيس عبد الفتاح السيسي يحيى الشربيني
شاهد أيضًا
بشري غالي…نموذج مشرف يجمع بين الكفاءة المهنية والخلق الرفيع

بشري غالي…نموذج مشرف يجمع بين الكفاءة المهنية والخلق الرفيع

14 ديسمبر 2025
يحيى الشربيني يكتب: إيران على حافة الانهيار: أزمات داخلية وضغوط إقليمية لا تنتهي

يحيى الشربيني يكتب: إيران على حافة الانهيار: أزمات داخلية وضغوط إقليمية لا تنتهي

13 ديسمبر 2025
الحسين عبدالرازق تكتب: دولة التلاوة في دولة التلاوة!

الحسين عبدالرازق تكتب: دولة التلاوة في دولة التلاوة!

10 ديسمبر 2025
الحسين عبد الرازق يكتب: قرار حكيم لوزير التعليم!

الحسين عبد الرازق يكتب: قرار حكيم لوزير التعليم!

02 ديسمبر 2025
سماح صادق قناوي تكتب: غيوم قاسية

سماح صادق قناوي تكتب: غيوم قاسية

02 ديسمبر 2025
سماح صادق قناوي تكتب: احمرُ الوجع

سماح صادق قناوي تكتب: احمرُ الوجع

19 نوفمبر 2025
الحسين عبد الرازق يكتب: قراءة في كلمة الرئيس

الحسين عبد الرازق يكتب: قراءة في كلمة الرئيس

19 نوفمبر 2025
عبدالمنعم ابراهيم يكتب :افتتاح محطات موانئ بورسعيد إنجاز استراتيجي يرسّخ مكانة مصر اللوجستية عالمياً

عبدالمنعم ابراهيم يكتب :افتتاح محطات موانئ بورسعيد إنجاز استراتيجي يرسّخ مكانة مصر اللوجستية عالمياً

16 نوفمبر 2025
إبراهيم عمران يكتب: العمدة هاشم محمد هاشم… حضور مجتمعي ممتد ورهان أهالي المراغة في جولة الإعادة 2025

إبراهيم عمران يكتب: العمدة هاشم محمد هاشم… حضور مجتمعي ممتد ورهان أهالي المراغة في جولة الإعادة 2025

15 نوفمبر 2025
د.شيرين علوان تكنب: الخليّة الفدائيّة… حين يتحوّل حارس الجسد إلى خصمٍ شرس

د.شيرين علوان تكنب: الخليّة الفدائيّة… حين يتحوّل حارس الجسد إلى خصمٍ شرس

14 نوفمبر 2025
د.أحمد صفوت السنباطي يكتب: الصراع الخفي على موارد الفضاء والقوانين الكونية

د.أحمد صفوت السنباطي يكتب: الصراع الخفي على موارد الفضاء والقوانين الكونية

13 نوفمبر 2025
إبراهيم عمران يكتب: «شاعر المليون».. منبر يُجدد روح الشعر ويحتفي بالمواهب الأصيلة

إبراهيم عمران يكتب: «شاعر المليون».. منبر يُجدد روح الشعر ويحتفي بالمواهب الأصيلة

12 نوفمبر 2025
هويدا درويش تكتب: ياما كان فى نفسي

هويدا درويش تكتب: ياما كان فى نفسي

11 نوفمبر 2025
منال محمد تكتب: حياة بتموت

منال محمد تكتب: حياة بتموت

11 نوفمبر 2025
يحيى الشربيني يكتب: قرارٌ غامض يهزّ المنطقة… لماذا اختارت كازاخستان الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية في هذا التوقيت الحارق؟

يحيى الشربيني يكتب: قرارٌ غامض يهزّ المنطقة… لماذا اختارت كازاخستان الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية في هذا التوقيت الحارق؟

07 نوفمبر 2025
عيد فؤاد يكتب: حلم الأهالي..”مشروع الأجيال” تدشين مركز شباب

عيد فؤاد يكتب: حلم الأهالي..”مشروع الأجيال” تدشين مركز شباب

07 نوفمبر 2025
الحسين عبدالرازق يكتب: بين ترامب وممداني.. نيويورك على أعتاب مرحلة جديدة

الحسين عبدالرازق يكتب: بين ترامب وممداني.. نيويورك على أعتاب مرحلة جديدة

07 نوفمبر 2025
رقية فريد تكتب: «مصر».. أرض الكنانة والخلود

رقية فريد تكتب: «مصر».. أرض الكنانة والخلود

01 نوفمبر 2025
سماح صادق قناوي تكتب: خفاء قلب

سماح صادق قناوي تكتب: خفاء قلب

31 اكتوبر 2025
الحسين عبد الرازق يكتب:رسالة سلام من مصر

الحسين عبد الرازق يكتب:رسالة سلام من مصر

28 اكتوبر 2025
التعليقات