01 مايو 2025
التحرش، سواء كان لفظيًا أو جسديًا أو إلكترونيًا، جريمة تهدد أمن وسلامة الأفراد، وتترك آثارًا نفسية عميقة على الضحايا. ورغم أن الحديث عنه أصبح أكثر شيوعًا في السنوات الأخيرة، إلا أن العديد من الضحايا ما زالوا يواجهون صعوبات في الإفصاح عما تعرضوا له خوفًا من اللوم أو التنمر أو التشكيك.
لماذا تخاف الضحية؟
الخوف الذي يعيق الضحية عن الحديث أو التبليغ ليس نابعًا من الجريمة فقط، بل من المجتمع الذي كثيرًا ما يحمّلها جزءًا من المسؤولية، أو يتعامل معها على أنها "جلبت ذلك لنفسها". نظرات الشك، والتعليقات الجارحة، والضغط العائلي، كلّها عوامل تخلق بيئة غير آمنة للضحية.
كيف نكسر دائرة الخوف؟
1. الإصغاء دون حكم: عندما تروي الضحية ما حدث، يجب الاستماع لها باحترام وهدوء، دون قطع أو استجواب أو التشكيك.
2. تجنب الأسئلة التي توحي باللوم: مثل "كنتِ لابسة إيه؟" أو "ليه ما صرختيش؟"، فهي تعزز شعور الذنب والخجل.
3. التأكيد على أن الخطأ ليس منها: الجاني وحده هو المسؤول عن التحرش. لا شيء يبرر فعلته.
4. عدم الضغط على الضحية: ليس من الضروري أن تتحدث أمام الجميع أو تذهب للشرطة فورًا إن لم تكن مستعدة. يجب احترام وتيرة تعافيها.
دعم الضحية نفسيًا
تشجيعها على التحدث مع مختص نفسي: العلاج النفسي قد يساعد في تجاوز الصدمة واستعادة الثقة بالنفس.
إحاطتها بدائرة دعم آمنة: من الأصدقاء أو أفراد الأسرة المتفهمين، أو مجموعات الدعم التي تضم ناجيات أخريات.
نشر الوعي المجتمعي: من خلال المدارس، الإعلام، ووسائل التواصل لخلق بيئة تعزز الثقة وتشجع الضحية على الكلام.
التركيز على التمكين لا الشفقة: يجب ألا نتعامل مع الضحية كإنسانة "مكسورة"، بل كمن نجا من تجربة مؤلمة ويستحق الاحترام والقوة.
التحرش بالأطفال: العدالة تبدأ بالحماية
التحرش بالأطفال من أبشع الجرائم التي تهدد براءة الطفولة وتترك جراحًا نفسية غائرة. ومن المؤسف أن بعض هذه الجرائم تقع في أماكن من المفترض أن تكون آمنة، كالمدارس.
قصة الطفل ياسين، البالغ من العمر 6 سنوات، واحدة من هذه الوقائع المؤلمة. فقد تعرض لتحرش جنسي على يد مدير مالي بمدرسة الكرمة في مدينة دمنهور. الأسرة لم تصمت، والمجتمع لم يغض الطرف، وبعد تحقيقات وتحرك قانوني، أصدرت المحكمة حكمها اليوم بمعاقبة الجاني بالسجن المؤبد، في رسالة واضحة أن القانون سيقف بقوة أمام كل من تسوّل له نفسه انتهاك براءة الأطفال.
هذه الحادثة تبرز أهمية وجود بيئة مدرسية آمنة، ورقابة على العاملين في المؤسسات التعليمية، إضافة إلى ضرورة تعليم الأطفال كيفية الإبلاغ عن أي تصرف مريب، مهما كان مصدره.
إن مواجهة التحرش تتطلب شجاعة مجتمعية، وعدالة حاسمة، واحتواء نفسي حقيقي للضحايا. والطفل ياسين ليس مجرد ضحية؛ بل رمز لقضية يجب ألا تسقط بالتقادم، ولا بالسكوت.