20 يونيو 2025
في وقت تتسارع فيه التحديات التي تواجه المواطن المصري،
ويُعاد فيه تشكيل الوعي العام من خلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة، تبرز الحاجة إلى مؤسسة برلمانية قوية وفاعلة.
إلا أن الواقع – للأسف – يكشف عن تراجع ملموس في أداء كثير من النواب، حتى أصبحنا أمام مشهد لنواب "خارج نطاق الخدمة"، إلا في ما ندر.
لم يعد النائب – لدى البعض – ممثلًا لإرادة الشعب أو لسانًا يعبر عن هموم دائرته،
بل بات أداة للعلاقات العامة، وشخصية بروتوكولية تظهر في المناسبات وتنتهي مهمتها عند حدود الصورة والمنشور الدعائي.
وغاب عن كثير من النواب المعنى الحقيقي للنيابة التشريعية والرقابية، التي تقوم أساسًا على حمل قضايا الناس إلى قاعات المجلس، لا إلى حسابات المصالح الخاصة.
في محافظات بأكملها، يشكو المواطنون من غياب النواب، لا حضورًا في الشارع، ولا فعالية تحت القبة.
والأسئلة التي يفترض أن تُوجَّه للحكومة حول سوء الخدمات، وارتفاع الأسعار، وتردي التعليم والصحة،
إما غائبة تمامًا، أو تأتي متأخرة وضعيفة وخجولة، وكأنها من باب أداء الواجب.
نعم، هناك من يعمل بصمت واجتهاد، لكن الصورة العامة تسيء إلى الجميع. ومواطن الدائرة لا يريد نائبًا يوزّع بطاطين في الشتاء أو يحجز مقاعد في الحفلات الرمضانية، بل نائبًا يراقب موازنة الدولة،
ويُراجع مشروعات القوانين، ويُحاسب التنفيذيين، ويُصرّ على حق الناس في حياة كريمة.
النائب الحقيقي لا يُقاس بعدد اللافتات في شوارع المدينة، بل بعدد المواقف التي اتخذها لصالح المواطن،
وعدد المرات التي وقف فيها مدافعًا عن الحقوق، متحديًا الموجة حين تستدعي المسؤولية ذلك.
وإذا كانت المجالس النيابية مرآة للمجتمع، فإن الصورة الحالية تعكس أزمة ثقة عميقة بين المواطن ومؤسسات التمثيل الشعبي.
فلم يعد المواطن يُراهن على نائب دائرته كما كان في السابق،
بل بات يعتبره جزءًا من منظومة منفصلة، لا ترى في هموم الناس سوى شعارات انتخابية تُقال عند الاقتراع، ثم تُنسى بعد إعلان النتائج.
والأخطر من ذلك أن غياب الدور الحقيقي للنائب، فتح المجال أمام ممارسات هامشية، ومواقف تُفرغ البرلمان من مضمونه.
فمن نائب يُعلن تأييده غير المشروط لكل ما يأتي من الحكومة، إلى آخر يرى أن وظيفته تنتهي عند التصفيق والخروج الآمن من الجلسة.
بل إن بعضهم يستغل الحصانة لتحقيق مصالح فردية، أو لحماية نفسه من المحاسبة،
في حين أن الحصانة وُجدت لحماية الموقف، لا الشخص.
المؤسسات التشريعية في الدول المستقرة ديمقراطيًا تُحاسب الحكومات وتسحب الثقة من الوزراء، وتشرّع لصالح العدالة الاجتماعية، وتدافع عن الحريات.
أما في واقعنا، فقلّما نجد نائبًا يجرؤ على سؤال وزير، أو يطرح ملف فساد، أو يرفض مشروع قانون يتعارض مع المصلحة العامة.
وما بين صمت الأغلبية، وخفوت صوت المعارضة، وتآكل الإيمان بالدور البرلماني، يبقى الأمل في وعي شعبي يتجدد،
وفي جيل جديد من النواب يعرف أن السياسة ليست وجاهة اجتماعية،
بل مسؤولية وطنية، وأن النيابة عن الشعب تكليف ثقيل لا بد من الوفاء به.
فالشعوب لا تنهض ببرلمانات زينة، ولا تتقدم بأصوات خرساء، ولا تُبنى الدول الحديثة بتجاهل صوت المواطن.
وما لم نُراجع أسباب غياب الأداء البرلماني الحقيقي، ونُعيد الاعتبار للدور التشريعي والرقابي،
سنظل نكرر ذات الأسطوانة، وننتظر من نواب "خارج الخدمة" أن يشغلوا الميكروفون… ولا حياة لمن تُنادي.