10 سبتمتبر 2025
في التاسع من سبتمبر 2025 اهتزت العاصمة القطرية الدوحة على وقع غارات إسرائيلية غير مسبوقة استهدفت مجمعاً سكنياً في حي الكتيفية شمال المدينة. فقد أطلقت طائرات حربية تابعة للكيان المحتل عدة قنابل دقيقة التوجيه على المبنى الذي يضم مكتب القيادة السياسية لحركة حماس، وذلك في لحظة كان فيها قادة بارزون من الحركة مجتمعين لبحث مقترحات أمريكية تتعلق بوقف إطلاق النار في غزة. المشهد الذي بدا أقرب إلى صدمة سياسية وعسكرية لم يقتصر أثره على قطر وحدها، بل ارتدت أصداؤه بسرعة على مستوى العالم بأسره، محدثاً أزمة دبلوماسية كبرى .
أعلن الكيان المحتل مسؤوليته الكاملة عن العملية مؤكداً أنه استند إلى معلومات استخباراتية دقيقة بشأن وجود قادة الصف الأول لحماس، بينهم خليل الحيّة وخالد مشعل وزاهر جبارين. وأوضح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أن الضربة جاءت رداً على استمرار هجمات الحركة ضد إسرائيل، معتبراً أنها خطوة "ضرورية ومشروعة" في سياق ما وصفه بالدفاع عن الأمن القومي. غير أن نتائج القصف لم تكن كما توقعت تل أبيب، إذ أعلنت حماس أن قادتها نجوا من الاستهداف، بينما قُتل خمسة من أعضائها بينهم نجل خليل الحيّة ومدير مكتبه وثلاثة من مرافقيه، إضافة إلى ضابط أمني قطري، إلى جانب إصابات في صفوف المدنيين .
ردود الفعل لم تتأخر. فقد دانت قطر الهجوم بأشد العبارات واعتبرته عملاً من أعمال الإرهاب الحكومي وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وسيادة الدولة، محذّرة من أن ما حدث قد يدفع إلى "رد إقليمي حاسم". الولايات المتحدة، التي تحتفظ بقاعدتها العسكرية الأكبر في المنطقة على الأراضي القطرية، أبدت استياءً شديداً من الخطوة الإسرائيلية، حيث وصف الرئيس دونالد ترامب القصف بأنه حادث مؤسف لا يخدم مصالح بلاده ولا حتى مصالح الكيان المحتل ذاته، معترفاً في الوقت نفسه بأن الدوحة كانت قد تلقت تحذيراً مسبقاً من مساعديه حول احتمال وقوع العملية .
أما تركيا فقد رأت في الغارات دليلاً على أن الكيان المحتل يعتمد سياسة "الإرهاب كخيار دولة"، فيما أعربت الصين عن قلق بالغ من احتمال اتساع رقعة النزاع محذرة من تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة، وداعية جميع الأطراف إلى العودة للمسار الدبلوماسي. وفي لندن، لم يتردد رئيس الوزراء كير ستارمر في إدانة الهجوم ووصفه بأنه تهديد مباشر للاستقرار الإقليمي، بينما نفت حكومته أي علم مسبق بالعملية رغم ما تردد عن إخطار البيت الأبيض لبعض الحلفاء. ولم يكن الموقف الأوروبي بعيداً، إذ عبرت برلين وبروكسل عن رفضهما الصريح لما جرى، داعيتين إلى استئناف فوري لمفاوضات وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، فيما أدان الأمين العام للأمم المتحدة الهجوم بوصفه انتهاكاً خطيراً للسيادة القطرية .
على المستوى السياسي، شكّل القصف الإسرائيلي للدوحة ضربة قوية للجهود الدبلوماسية التي كانت قطر تقودها منذ أشهر لإيجاد تسوية بين الكيان المحتل وحماس. فالهجوم على أرضها وضعها في موقف معقد يثير تساؤلات حول قدرتها على الاستمرار كوسيط محايد، كما أنه زاد من حدة التوترات الخليجية والإقليمية في وقت حساس. كثير من المراقبين اعتبروا أن إسرائيل بهذا الفعل لم تستهدف حماس فحسب، بل أرادت أيضاً توجيه رسالة مباشرة إلى قطر نفسها باعتبارها حاضنة للمفاوضات ومركزاً لقيادة الحركة .
تداعيات العملية لم تقتصر على تعطيل المفاوضات فحسب، بل خلقت أيضاً حالة من الغموض حول مستقبل التحالفات الإقليمية. فبينما حاولت إسرائيل تبرير ضربتها بأنها ضرورة أمنية، رأى المجتمع الدولي فيها تجاوزاً للخطوط الحمراء قد يؤدي إلى تصعيد خطير يمتد إلى الخليج بأسره. ولعل أكثر ما زاد المشهد تعقيداً هو موقف الولايات المتحدة التي وجدت نفسها بين حليفها التقليدي إسرائيل من جهة، وشريكتها الاستراتيجية قطر من جهة أخرى، وهو ما قد يفرض على واشنطن إعادة تقييم سياساتها في المنطقة .
من الناحية الأمنية، أثار الهجوم تساؤلات حول سلامة القاعدة الأمريكية في العديد، حيث وقع القصف على مقربة من منشآت حيوية تضم آلاف الجنود الأمريكيين، وهو ما أعاد إلى الواجهة النقاش حول حدود التداخل العسكري والسياسي في منطقة الخليج. وفي الوقت ذاته، عززت دول خليجية عدة تعاونها السياسي والأمني، تحسباً لأي انعكاسات قد تترتب على توسيع نطاق الحرب.
المشهد برمته يعكس انتقال الصراع من غزة إلى فضاء أوسع قد يشمل الخليج والشرق الأوسط بأكمله. فإسرائيل، التي لطالما اعتمدت على القوة العسكرية لفرض معادلاتها، وجدت نفسها هذه المرة في مواجهة إدانات متزايدة حتى من شركاء تقليديين. وفي المقابل، بدت قطر عازمة على استثمار الموقف لتعزيز خطابها الرافض لأي انتهاك لسيادتها، مع الاحتفاظ بحق الرد السياسي والدبلوماسي وربما حتى الأمني.
في المحصلة، لم يكن القصف الإسرائيلي للدوحة مجرد عملية عسكرية محدودة، بل كان حدثاً مفصلياً من شأنه أن يغير مسار الصراع ويخلط أوراق الوساطة ويعيد رسم توازنات المنطقة. فبينما أرادت تل أبيب توجيه رسالة قوة، فإن الردود الدولية الغاضبة والآثار السياسية العميقة قد تجعلها تدفع ثمناً دبلوماسياً باهظاً. وبين الخطاب الإسرائيلي الذي يصر على حق "الدفاع عن النفس"، والخطاب القطري والدولي الذي يندد بانتهاك السيادة وخرق القانون الدولي، تبدو المنطقة أمام مرحلة جديدة أكثر توتراً، حيث تتداخل السياسة بالنار، وتتعقد سبل الوصول إلى تسوية سلمية حقيقية .