02 اكتوبر 2025
منذ ظهوره على الساحة السياسية، لم يكن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي شبيهًا بأي رئيس أمريكي تقليدي.
ترامب القادم من عالم العقارات والإعلام لم يتخل عن أسلوبه حتى وهو في أرفع منصب سياسي في العالم،
بل نقل معه منطق رجل الأعمال المفاوض إلى قلب البيت الأبيض.
الرجل لا يفكر بمنطق الأيديولوجيا أو القيم الكبرى، وإنما بمنطق الصفقة،
ولهذا يبدو في أعين كثيرين وكأنه يتلاعب بالجميع: بحلفائه وخصومه وحتى بالرأي العام الأمريكي.
ترامب جعل العالم في حالة ترقب دائمة. تصريحاته متناقضة ومواقفه متأرجحة،
لكنه يعرف كيف يحوّل هذا الاضطراب إلى ورقة ضغط.
في لحظة يطلق تهديدًا حادًا ضد الصين، وفي لحظة أخرى يفتح الباب للقاء قمة.
يهاجم إيران ويتوعدها، ثم يلمّح إلى إمكانية التفاوض.
حتى أوروبا، الحليف الأطلسي الأوثق، لم تسلم من ابتزازه، إذ اختزل التحالفات في معادلة "من يدفع أكثر، يضمن الحماية".
هكذا يجد خصومه أنفسهم في حالة ارتباك دائم: هل يستعدون لمواجهة عسكرية أم لصفقة قد تقلب الطاولة؟.
وفي الداخل الأمريكي، يدرك ترامب أن بقاءه السياسي مرهون بقاعدته الشعبية،
لذلك لا يخاطب كل الأمريكيين، بل يركّز على جمهوره الصلب: الطبقة البيضاء الريفية، المحافظون اجتماعيًا، الغاضبون من النخب الحاكمة والإعلام.
خطابه الشعبوي مصمم خصيصًا لهم، وهو في سبيل الحفاظ على ولائهم لا يتردد في استخدام أي ملف،
سواء من الهجرة إلى الاقتصاد، ومن الأمن القومي إلى الصراع مع المؤسسات التقليدية التي يصوّرها على أنها خصم مباشر.
يبقى السؤال: هل ترامب مجرد لاعب عشوائي يتقن التلاعب، أم أن وراء أسلوبه استراتيجية محسوبة؟.
الحقيقة أن الرجل يوظف الفوضى كسلاح، كلما زادت الضبابية حول مواقفه، زادت مساحة المناورة أمامه.
بينما ينشغل خصومه في تفسير تصريحاته المتناقضة، يمضي هو في رسم أجندته الخاصة، واضعًا نفسه دائمًا في موقع المبادِر لا المتلقي.
المؤكد أن ترامب، سواء أحبّه البعض أو كرهه الآخرون، أعاد صياغة قواعد اللعبة السياسية داخليًا وخارجيًا.
هو مقامر سياسي عند من يرى في أسلوبه تهديدًا للنظام الدولي،
كذلك هو براغماتي صلب عند من يراه يعرف كيف يحصد أكبر قدر من المكاسب بأقل التكاليف.
لكنه في كل الأحوال فرض نفسه لاعبًا استثنائيًا، لا يتوقف عن تحريك الخيوط،
ويجبر الجميع على الرقص وفق إيقاعه الخاص.