27 سبتمتبر 2025
في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة التقدم التكنولوجي والعلمي، بات البحث العلمي ركيزة أساسية لا غنى عنها لتحقيق التنمية الشاملة في مختلف المجالات،
سواء كانت بشرية، اقتصادية، صحية، بيئية أو تعليمية. فالأمم التي استثمرت في عقول علمائها وباحثيها،
هي ذاتها التي استطاعت أن تنتقل من صفوف الدول النامية إلى مصاف الدول المتقدمة.
لا يمكن الحديث عن تنمية بشرية مستدامة دون التطرق إلى الدور المحوري للبحث العلمي.
فهو الوسيلة الأكثر فاعلية لفهم المشكلات الاجتماعية والصحية والتعليمية ووضع الحلول العلمية لها،
بدءًا من محاربة الأمية والبطالة، وصولًا إلى تطوير المناهج الدراسية وتحسين جودة الحياة.
وفي المجال الاقتصادي، يُعد البحث العلمي محركًا رئيسيًا للابتكار وزيادة الإنتاجية.
فالدول التي تستثمر في البحوث والتطوير تحقق قفزات نوعية في صناعاتها، وتعزز قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية.
وليس أدلّ على ذلك من تجارب الدول الصناعية الكبرى التي خصصت ميزانيات ضخمة للبحث العلمي، فجنَت ثمارًا اقتصادية هائلة.
لكي يؤدي البحث العلمي دوره المنشود، لا بد من تطويره على أكثر من صعيد.
أولًا، إعادة النظر في مناهج التعليم لتشجيع التفكير النقدي والإبداعي منذ المراحل الدراسية الأولى، بدلًا من الاقتصار على التلقين والحفظ.
ثانيًا، زيادة التمويل المخصص للبحوث، سواء من الحكومات أو من القطاع الخاص، لضمان استمرارية المشروعات البحثية ودعم التجارب التطبيقية.
الأهم من ذلك، هو توفير بيئة بحثية محفزة، تشمل بنى تحتية متطورة، ومختبرات مجهزة، ومراكز بحثية مستقلة، بالإضافة إلى تقليل البيروقراطية التي تعرقل عمل الباحثين.
الباحث هو قلب العملية البحثية، ولا يمكن تحقيق أي إنجاز علمي دون تمكينه ماديًا ومعنويًا.
فالكثير من الكفاءات العربية والعقول المتميزة تهاجر سنويًا إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل، في ظل ضعف الحوافز والدعم في بلدانهم الأصلية.
لذا، من الضروري توفير رواتب مجزية، فرص للنشر العلمي، مشاركة في المؤتمرات الدولية، ومنح دراسية للباحثين الشباب، مع إشراكهم في صياغة السياسات التنموية.
نحو استراتيجية وطنية للبحث العلمي
إن بناء نهضة حقيقية لا يتحقق إلا بوضع استراتيجية وطنية شاملة للبحث العلمي، ترتبط مباشرة بخطط التنمية المستدامة.
يجب أن يكون هناك تنسيق بين الجامعات، مراكز البحوث، والقطاعين العام والخاص، لتوجيه الجهود البحثية نحو أولويات المجتمع، وتحقيق التكامل بين العلم والتطبيق.
البحث العلمي ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وطنية ومفتاح لكل أبواب التقدم.
ودون الاستثمار فيه، سنظل مستهلكين لمنتجات الآخرين، غير قادرين على رسم مستقبلنا بأيدينا.
فلنمنح الباحثين المكانة التي يستحقونها، ولنجعل من العلم قاعدة نبني عليها تنميتنا الشاملة،
ونكتب بها سطورًا مشرقة في حاضرنا ومستقبل أجيالنا.