10 اكتوبر 2025
في التاسع من أكتوبر 2025، تنفّست منطقة الشرق الأوسط الصعداء مع إعلان المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بعد حربٍ دامت أشهراً أحرقت الأخضر واليابس ودفعت الملايين نحو حافة الكارثة الإنسانية. الاتفاق الذي جاء بوساطة مصرية وقطرية وتركية وبرعاية أميركية مباشرة، مثّل منعطفاً سياسياً وإنسانياً يفتح الباب أمام مرحلة جديدة، لكنها لا تخلو من التحديات والمخاطر .
مع أولى ساعات الهدوء، انطلقت قوافل الإغاثة إلى داخل غزة محمّلة بالغذاء والدواء والمياه والوقود، وسط مشاهد مؤثرة للنازحين العائدين إلى منازلهم المدمرة. تقول الأمم المتحدة إن حجم الدمار غير مسبوق وإن إعادة الإعمار تحتاج إلى خطة دولية شاملة بتمويل ضخم وضمانات أمنية لتأمين عودة الحياة إلى طبيعتها. الهدوء، وإن طال، لن يعيد الأرواح التي فُقدت، لكنه يمنح الفلسطينيين فرصة لاستعادة الأمل بعد أشهر من القصف والحصار .
وقف النار في غزة خفّف مؤقتاً من خطر انفجار جبهات أخرى في لبنان واليمن وسوريا، إلا أن خبراء الأمن الإقليمي يحذرون من أن التهدئة هشّة، وأن أي خلل في تنفيذ الاتفاق أو تأخير في إعادة الإعمار قد يعيد المنطقة إلى دوامة العنف. حزب الله والجماعات الموالية لإيران تتابع عن كثب التطورات، بينما تحاول إسرائيل الموازنة بين متطلبات الأمن وضغوط المجتمع الدولي .
الاتفاق الجديد لم يكن مجرد هدنة عسكرية، بل لحظة لإعادة اصطفاف سياسي ودبلوماسي في الشرق الأوسط. فقد عزّز من دور الوسطاء الإقليميين، مصر وقطر وتركيا، الذين أثبتوا قدرتهم على إدارة ملفات معقّدة، فيما تحاول الولايات المتحدة استعادة دورها التقليدي كراعٍ رئيسي لعمليات السلام. في المقابل، تواجه إيران اختباراً صعباً بين الاستمرار في نهج المواجهة أو تبني استراتيجية تهدئة تحفظ لها نفوذها الإقليمي دون صدام مباشر .
من الناحية الاقتصادية، انعكس الإعلان عن الهدنة سريعاً على أسواق الطاقة العالمية، حيث تراجعت أسعار النفط مع انخفاض "علاوة المخاطر" في المنطقة، لكن الأثر الأعمق سيكون في ملف إعادة الإعمار، إذ يُتوقّع أن تحتاج غزة إلى مليارات الدولارات لإعادة بناء البنية التحتية والمنازل والمستشفيات والمدارس. المجتمع الدولي أمام اختبار جديد: هل تتحول الوعود بالمساعدات إلى أفعال أم تبقى حبراً على ورق كما في جولات سابقة؟
بعد توقف المعارك، تتجه الأنظار إلى الملفات القانونية والحقوقية، حيث تطالب منظمات دولية بإجراء تحقيقات مستقلة في الانتهاكات التي رافقت الحرب. العدالة في هذا السياق ليست مطلباً سياسياً فحسب، بل خطوة أساسية لبناء سلامٍ مستدام يمنع تكرار المأساة .
دولياً، شكّل وقف إطلاق النار فرصة لتقارب نسبي بين القوى الكبرى. الولايات المتحدة وتركيا ومصر عززت نفوذها عبر الوساطة، بينما تسعى أوروبا إلى لعب دور في ملف إعادة الإعمار والمساءلة. أما الصين وروسيا فترى في الهدنة مدخلاً لتعزيز حضورهما الاقتصادي والإنساني في المنطقة، في ظل تراجع الثقة بالدور الغربي التقليدي .
ورغم موجة التفاؤل، يبقى المشهد ملبداً بالغيوم. فأي إخفاق في إعادة الإعمار أو تجاهل للملف السياسي الفلسطيني سيقود إلى تجدد العنف بصورة أشد. السلام الحقيقي لن يتحقق بالهدن المؤقتة، بل عبر معالجة جذور الصراع: الاحتلال، والعدالة، والحقوق الوطنية، وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة .
وقف إطلاق النار في غزة ليس نهاية الحرب، بل بداية اختبار جديد للسلام. الشرق الأوسط يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يستثمر هذه الهدنة لبناء مستقبل مختلف، أو أن يعود إلى دوامة الدم والنار التي استنزفت شعوبه لعقود. وفي النهاية، تبقى الحقيقة البسيطة التي يدركها الجميع: لا نصر في الحروب، النصر الوحيد هو في السلام .