05 اكتوبر 2025
في ذكرى السادس من أكتوبر عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين تعود إلى الأذهان صور كثيرة ترمز إلى النصر والعزة ومن بين هذه الصور تبرز لقطة استسلام وتسليم الأسرى الإسرائيليين إلى الجانب المصري وهم يرتدون ما عُرف آنذاك باسم بيجامات الكستور وهي لقطة لم تكن عابرة ولا خالية من المعاني بل كانت تحمل في طياتها رسالة عميقة تتجاوز مجرد مشهد تبادل للأسرى لتصبح جزءًا من ذاكرة النصر المصرية
الكستور في تلك الحقبة لم يكن مجرد نوع من القماش بل كان رمزًا للصناعة المصرية الوطنية كان يُصنع في مصانع المحلة الكبرى من القطن المصري الخالص وكان يدخل بيوت المصريين البسطاء في صورة ملابس منزلية وبيجامات وكان معروفًا بخفته ونعومته وبأنه مريح للجلد وكان متاحًا في الأسواق المصرية بأسعار في متناول الجميع فصار علامة على البساطة والكرامة والعمل الوطني
بعد انتهاء العمليات العسكرية في حرب أكتوبر وإتمام الاتفاق على تبادل الأسرى بين مصر وإسرائيل قرر الرئيس أنور السادات أن تتم معاملة الأسرى الإسرائيليين بطريقة إنسانية وأن يُسلموا في صورة حضارية تليق بكرامة الدولة المنتصرة فتم تجهيزهم قبل تسليمهم بملابس نظيفة ومريحة كانت من إنتاج مصانع مصرية هي بيجامات الكستور هذا القرار لم يكن تفصيلًا شكليًا بل كان رسالة مقصودة فمصر المنتصرة لم تكتفِ بإظهار قوتها العسكرية بل أرادت أن تُظهر أيضًا رقيها الإنساني
اختيار الكستور تحديدًا لم يكن صدفة فهو رمز لمنتج مصري خالص وارتداء الأسرى له يعني أن العدو الذي كان يظن نفسه الأقوى أصبح يرتدي من صناعة خصمه المنتصر فالصورة حملت في طياتها معاني عميقة عن الكرامة الوطنية والسيادة الاقتصادية كما أكدت أن مصر تمتلك كل ما تحتاجه حتى في أدق التفاصيل وأنها قادرة على إظهار إنسانيتها في لحظة انتصارها العسكري
هذه اللقطة كان لها وقع كبير على الرأي العام المصري الذي شعر بالفخر حين رأى أن جيشه لا ينتصر فقط بالسلاح بل أيضًا بالأخلاق والإنسانية وأن الدولة التي استعادت أرضها لم تفقد إنسانيتها بل عاملت الأسرى باحترام وبلباس نظيف من إنتاج محلي أما في الجانب الإسرائيلي فقد تركت الصور أثرًا نفسيًا قاسيًا فهي أظهرت جنودًا مهزومين في ملابس ناعمة بسيطة مختلفة تمامًا عن صورة الجندي الإسرائيلي المدجج بالسلاح والتي حاولت إسرائيل أن ترسخها لعقود
وقد ظل مشهد الأسرى ببيجامات الكستور حاضرًا في الذاكرة الشعبية المصرية باعتباره واحدًا من الرموز الصغيرة التي تختصر معاني النصر الكبير فكما كانت عبور القناة رمزًا للقوة كانت هذه البيجامات رمزًا للإنسانية والسيادة في آن واحد فهي تقول للعالم إن مصر لا تهزم فقط أعداءها في الميدان بل تفرض عليهم احترامها وتُعيد صياغة صورتهم وفق معاييرها
ورغم أن بعض المصادر لم تؤكد بدقة ما إذا كان كل الأسرى قد ارتدوا هذه البيجامات أم أن الأمر اقتصر على مجموعة منهم فإن الرواية بقيت راسخة في وجدان الناس لأنها تعبّر عن روح تلك المرحلة وعن رغبة المصريين في أن يكون نصرهم شاملًا في كل المجالات من السلاح إلى الصناعة ومن القوة إلى الرحمة
وهكذا أصبحت بيجامات الكستور ليست مجرد قماش ناعم يُلبس للأسرى بل صفحة من صفحات التاريخ المصري تروي كيف استطاعت مصر أن تنتصر وتُعيد للعالم تعريف معنى القوة الحقيقي قوة تجمع بين العدل والإنسانية وتُعيد للمنتصر هيبته وللصناعة الوطنية فخرها