13 ديسمبر 2025

فرضت الحكومة البريطانية، حزمة عقوبات جديدة استهدفت كبار قادة «قوات الدعم السريع» السودانية، على خلفية اتهامهم بالتورط في ارتكاب جرائم قتل جماعي وعنف جنسي ممنهج، إضافة إلى هجمات متعمدة ضد المدنيين في عدد من مناطق النزاع، ولا سيما مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، في تطور يعكس تصاعد الضغوط الدولية على أطراف الصراع في السودان.
وأعلنت لندن أن العقوبات تشمل عبد الرحيم حمدان دقلو، نائب قائد «قوات الدعم السريع» وشقيق قائدها محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، إلى جانب ثلاثة قادة ميدانيين آخرين، حيث ستُفرض عليهم إجراءات تجميد أصول مالية وحظر سفر، في إطار مساعي المملكة المتحدة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي.
وقالت وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر، في بيان رسمي، إن «الفظائع المرتكبة في السودان مروعة إلى درجة تترك ندبة عميقة في ضمير العالم»، مؤكدة أن العقوبات المعلنة «تمثل ضربة مباشرة لأولئك الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء». وأضافت أن ما تقوم به «قوات الدعم السريع» في مدينة الفاشر «لا يمكن اعتباره أعمالاً عشوائية، بل هو جزء من استراتيجية متعمدة تهدف إلى ترهيب السكان وبسط السيطرة عبر الخوف والعنف المنهجي».
وأشارت كوبر إلى أن آثار هذه الانتهاكات باتت واضحة حتى في صور الأقمار الصناعية، قائلة إن صور الفاشر الملتقطة من الفضاء تُظهر مؤشرات صادمة، من بينها مواقع يُشتبه بأنها مقابر جماعية، وأكوام من الجثث، إلى جانب أدلة على حرق الضحايا ودفنهم، وهو ما يعزز الشبهات بارتكاب جرائم واسعة النطاق بحق المدنيين.
وبحسب البيان البريطاني، فإن الأشخاص المشمولين بالعقوبات هم: عبد الرحيم حمدان دقلو، الذي توجد «أسباب معقولة للاشتباه» في ضلوعه بعمليات قتل جماعي وإعدامات على أساس عرقي، إلى جانب العنف الجنسي الممنهج، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، والاختطاف مقابل الفدية، والاعتقال التعسفي، فضلاً عن الاعتداء على مرافق صحية وموظفي إغاثة.
كما شملت العقوبات جدو حمدان أحمد، قائد «الدعم السريع» في قطاع شمال دارفور، للاشتباه في تورطه في عمليات قتل جماعي وعنف جنسي واختطاف، وهجمات على الطواقم الطبية والعاملين في المجال الإنساني. وفرضت الإجراءات نفسها على العميد الفاتح عبد الله إدريس، للاشتباه في مسؤوليته عن أعمال عنف استهدفت أشخاصاً على أساس عرقي وديني، إضافة إلى الاستهداف المتعمد للمدنيين. كما أُدرج اسم القائد الميداني تيجاني إبراهيم موسى محمد، للاشتباه في تورطه باستهداف المدنيين في الفاشر.
وأكدت الحكومة البريطانية أن هذه العقوبات «ترسل رسالة واضحة مفادها أن كل من يرتكب فظائع سوف يُحاسب»، مشددة على التزام المملكة المتحدة بمنع تكرار الجرائم، وداعية جميع أطراف الصراع إلى الوقف الفوري للانتهاكات، وحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وفي السياق ذاته، أعلنت لندن تعهدها بتقديم 21 مليون جنيه إسترليني إضافية لدعم الجهود الإنسانية في السودان، بهدف توفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، لا سيما للنساء والأطفال في المناطق الأكثر تضرراً والتي باتت على شفا كارثة إنسانية. وأوضح البيان أن هذه المساعدات ستُمكّن وكالات الإغاثة من الوصول إلى نحو 150 ألف شخص، وتلبية احتياجاتهم الأساسية، وضمان استمرار الخدمات في المستشفيات، والمساعدة في لمّ شمل العائلات التي فرقتها الحرب.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تحركات دولية متواصلة لاحتواء النزاع، إذ سبق أن طرحت الولايات المتحدة والإمارات ومصر والسعودية، في نوفمبر الماضي، خطة لهدنة لمدة ثلاثة أشهر تعقبها محادثات سلام. ورغم إعلان «قوات الدعم السريع» قبولها بالخطة، فإنها شنت لاحقاً هجمات مكثفة باستخدام طائرات مسيّرة على مواقع تابعة للجيش السوداني، ما أدى إلى تقويض فرص التهدئة.
من جانبه، وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الحرب الدائرة في السودان بأنها «فضيحة»، داعياً إلى ممارسة ضغط دولي حقيقي على أطراف القتال والجهات الداعمة لها. وأعلن غوتيريش عن مساعٍ لعقد لقاء قريب في جنيف يضم الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، بهدف دفع الطرفين لاحترام القانون الإنساني الدولي وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقاً في «إعلان جدة».
وفي المقابل، نفت «قوات الدعم السريع» هذه الاتهامات، واعتبرت تصريحات غوتيريش «منحازة»، حيث أصدر تحالف «تأسيس» الموالي لها بياناً اتهم فيه الأمم المتحدة بازدواجية المعايير، مؤكداً سعيه للمشاركة في جميع مسارات التفاوض، وإقراره بحدوث انتهاكات فردية جرى التعامل معها عبر لجان للمحاسبة، مطالباً بإرسال بعثات دولية مستقلة لتقصي الحقائق ميدانياً.
ويُذكر أن الحرب المستمرة منذ أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» تسببت في نزوح ملايين المدنيين، وسط تحذيرات أممية من تفاقم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.