06 يونيو 2025
يا سائلاً عن عيد الأضحى، أيّ عيد هذا الذي يُلبَس فيه البياض وتُسَاق فيه الأنعام، وتُطوى فيه المسافات بين الروح وربها؟ إن كنت تراه لحماً يُذبح، فقد غاب عنك سرّ الكبش. وإن كنت تراه زينةً وطعامًا، فما أدركت معناه. فتعال نفتح صحائف الأرواح، ونقرأ سطور الفداء كما كتبها العارفون بالله.
في يوم مشهود، انحنت الأرض تستقبل أمر السماء، حين رأى الخليل إبراهيم عليه السلام، في المنام، أنه يذبح ابنه إسماعيل. رؤيا نبوية ليست من حديث النفس، بل من إشارات الحق لعبده الصدّيق. فسار بالأمر لا يتردد، ووضع السكين على رقبة الحب، وفاض قلبه يقينًا لا يرتجف.
ثم انشقّ الغيب عن الكبش.
الكبش ليس مجرد بهيمة جاءت من السماء، بل هو رمز النور حين يتجلّى على مقام التسليم. الكبش هو الفداء، هو تجلِّي الرحمة في موضع الشدة، هو استبدال الدم المحبوب بطاعة القلوب، هو القول الإلهي المتنزل على الأحباب: "وفديناه بذبح عظيم".
يا ولدي، الكبش في عرف أهل الله ليس من صوفٍ ولا لحم، بل هو مقام. الكبش هو ما يُعطى للسالك إذا صدق وترك، هو ما يُنزَّل في الخلوة إذا طابت النفس ورضيت، هو سرّ النجاة لمن ألقى سكين الإرادة على رقبة الهوى.
في الطريق الرفاعي، نعلّم أبناءنا أن الكبش السماوي ليس من غنم الأرض، بل هو من نور الحق، يُمنَح لمن غلب نفسَه، وذبح أنانيته، وقدّم ما يحب قربانًا للحب الأعظم.
ولذلك فإن عيد الأضحى ليس موسمًا للطعام فقط، بل موسم تطهير، ومقام توحيد، وميدان مجاهدة. فيه تُعرض القلوب على مرآة الفداء، فمن وجد فيها محبةً لله فوق كل شيء، كان له الكبش، وكان من أهل العيد بحق.
يا مَن تسعى إلى الله، لا تجعل أضحيتك عادة. اجعلها عهداً، تجد الكبش السماوي في قلبك، ويكتبك الله من عباده المتقرّبين.
والله يقول الحق، وهو أرحم الراحمين.
الكاتب
الشيخ طارق ياسين الرفاعي
شيخ الطريقة الرفاعية
شيخ السادة الرفاعية
من أهم الشخصيات الصوفية في مصر والشرق الأوسط