18 يونيو 2025
في لحظات معينة، يفرض عليك الواقع أن تكتب، لا لأنك تريد، بل لأن الصمت يُصبح نوعًا من التواطؤ.
وقد وجدتني اليوم مضطرًا لكسر قاعدة التريث، والحديث علنًا عن حال دائرة تلا والشهداء، التي تحولت ـ مع الأسف ـ إلى نموذج حيّ لـ الفراغ النيابي، والغياب المؤسسي، والانحدار السياسي.
دورة برلمانية كاملة مرّت، دون أن نشهد من يمثل هذه الدائرة العريقة ـ صاحبة التاريخ والرمزية ـ تحت قبة البرلمان.
لا صوت، لا قضية، لا تحرك، لا وقفة وطنية تُحسب.
وإذا ما سألت الناس: من نائبكم؟
جاءك الجواب، مغلفًا بالمرارة: لا أحد.
فكّرت طويلًا: كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟
كيف صارت الدائرة بلا لسان سياسي، ولا عقل تشريعي، ولا ظل رقابي؟
وكانت الإجابة صادمة وبسيطة:
ما بُني على المجاملة لا يُنتج إلا خيبة، وما قام على العلاقات لا يُثمر تمثيلًا.
إن الاختيار البرلماني لم يعد، في كثير من الأحيان، محكومًا بالكفاءة أو الوعي السياسي، بل بموازين القوة الاجتماعية، والقبلية، والمال، والتربيطات.
وهكذا تحوّل النائب من مشرّع إلى "ضيف دائم" في العزاء، و"وجه مألوف" في الأفراح، و"صورة مقررة" في كل مناسبة… باستثناء البرلمان.
والمؤسف أن البعض يظن أن هذه الجولات الاجتماعية تمنحه الشرعية السياسية، فيخلط بين السياسة كمهنة وطنية، والمجاملة كحرفة اجتماعية.
فالسياسي لا يُقاس بعدد السرادقات التي حضرها، بل بعدد الأسئلة التي طرحها، والمواقف التي صاغها، والمعارك التشريعية التي خاضها.
من يتصور أن السياسة تعني التقاط صورة في فرح أو تدوين كلمة تعزية، فقد ضلّ الطريق.
السياسي الحقيقي يتحدث بلغة التشريع، ويمتلك أدوات الرقابة، ويدرك معنى التمثيل الشعبي، لا الشعبيات الفارغة.
أما اليوم، فتحولت الدائرة إلى نقطة على الهامش، مشاريعها مؤجلة، مطالبها معلقة، وملفّاتها مركونة في أدراج مغلقة… لا لشيء، سوى أن "النائب" غائب، والمشهد السياسي تُديره لغة باهتة لا علاقة لها بالمسؤولية.
الخطير في الأمر ليس في غياب النائب فحسب، بل في تبلد الشارع، وفتور الناس، واعتقادهم بأن التغيير مستحيل، وأن "اللعبة مغلقة"، وأن الانتخابات لا تأتي إلا بالمحسوبين، لا بالممثلين.
ولذلك، أكتب اليوم لا من باب النقد، بل من باب التحذير:
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فستصبح الدائرة بلا نواب هي القاعدة، لا الاستثناء.
وسنكون أمام مشهد ديمقراطي مُفرغ من مضمونه، يُدار بـ"الصور"، ويُحسم بـ"التربيطات"، بينما الوطن يئن، والناس تنتظر، والبرلمان يفرغ من محتواه.
إن أول خطوات الإنقاذ تبدأ من المواطن.
فلا مجاملة في التصويت، ولا عاطفة في الاختيار، ولا ولاء إلا لمن يفهم أنه نائب عن