28 يوليو 2025
لم يكن الفنان يوماً مبدعاً ما لم يثر على الظلم ، ويواجه الفساد ، ويشعر بآلام الناس ، ويعبّر عن نبض وطنه .
من رحم الرحبانية وُلد زياد ، وتربى على حب الوطن العربي ، ذلك الوطن الذي صدحت به والدته فيروز ،
بصوتها الشامخ ، وكلمات الأخوين رحباني، من لبنان إلى مصر وفلسطين ، إلى كل ربوع الأمة .
لكن لم يكتفِ زياد بالميراث ، بل حمل راية التمرد الواعي ، فجدد في الأغنية السياسية ،
وفتح نوافذ المسرح على هموم الناس، وسخّر فنه ليكون مرآة للواقع ، وسلاحاً في وجه القهر .
فكان الفنان ، والمثقف المختلف، والضمير الصادق في زمن التزييف .
لم يكن مجرد موسيقي أو شاعر أو كاتب مسرحي ، بل كان صوتاً ثائراً ، وقلباً نابضاً بقضايا وطنه منذ بداياته .
واجه السلطات اللبنانية طوانتقد الفساد والطائفية والاستغلال السياسي ، مسلحاً بالكوميديا السوداء والسخرية اللاذعة .
آمن بأن الفن لا يجوز أن يكون محايداً، بل منحازاَ للفقراء، والمهمّشين ، والمقهورين .
قال ذات مرة :
"الحق مش بس بالسياسة ، الحق بالموسيقى كمان، لأنك لما بتعزف لناس موجوعة ، لازم تحسّ بوجعهم" .
لم يكن زياد فناناً عابراً بل كان موقفاً ، كان دائم الانحياز للعدالة، للإنسان ، للثورة .
رحل وهو يحمل لبنان في قلبه ، وفلسطين في صوته ، وهموم البسطاء في موسيقاه .
مات النبيل الساخر ، لكن صوته باقٍ .
أغانيه ، ومسرحياته ، ووقفته الأخلاقية ستظل حيّة ، لأنها كانت صادقة .. كانت ثائرة .
فالموت لم يكن نهاية ، بل بداية انتفاضة ، انتفاضة في الذاكرة ، في الذوق ، في الضمير .
مات زياد فقامت موسيقاه من رقدتها لتقول لنا :
أنا لم أرحل :
(ستجدونني في ألحاني ، في كلماتي، في كل ألم دافعت عنه، وفي كل قضية ثرت من أجلها)..
(ستجدونني في ملامح والدتي التي تركت فيها نبض قلبي ،
ذلك النبض الذي لن يتوقف ما دامت تنبض بالحياة بينكم ، تركت فيها كل لحن تغنّت به بصوتها الشجي،
كل وجعٍ لامسته كلماتها، وكل أملٍ خبأته نبراتها في ليل هذا الوطن الطويل) .
(ستجدوني في وجوه الفقراء الذين غنيت لهم ، وفي ضحكة ساخرة على خشبة مسرح ، تهتف : لا تسكتوا) !!!!
رحم الله زياد أخر حلقة في عقد الرحبانية ، ولكي الله يا صوت عالمنا العربي فيروز ، يا نبضاً غنّى لنا ذات يوم ، وما زال يشدو رغم الفقد .
بقيتِ وحيدة في الواجهة .. لكنك لستِ وحدك في القلوب..