28 يوليو 2025
المواطن لم يعُد مرئيًّا في المشهد العام، وكأن اختفاءه بات أمرًا معتادًا… بل ومُبررًا.
فقد أثقلت كاهله هموم لا تنتهي، تبدأ بارتفاع الأسعار، ولا تنتهي بارتفاع درجات الحرارة،
مرورًا بضغط نفسي مزمن ناتج عن تكرار الصدمات الاقتصادية والمعيشية.
صار المواطن ينسحب من المشهد تدريجيًا، لا تجده في طابور العيش،
ولا في طاولة الحوار، ولا حتى في جلسة ظلّ بسيطة يلتقط فيها أنفاسه. تراه غائبًا عن الساحات،
متفرجًا لا مشاركًا، وكأنه ارتضى أن يتحول إلى "خلفية صوتية" في وطن يعجّ بالضجيج.
كان في السابق هو من يرفع صوته بالشكوى، واليوم أصبح هو ذاته الشكوى المتنقلة.
كل يومٍ يبدأه بخبر عبءٍ جديد، ويختمه بإعلان عن منتج لا يقدر عليه، أو ببرنامج يُروّج لرفاهية غائبة عن حياته.
وإن تجرأ يومًا على التعبير، قيل له بابتسامة باردة: "اتفاءل... الدنيا بخير"، وكأن التفاؤل بطاقة تموينية يمكن صرفها مع الزيت والسكر!.
لكن كيف يتفاءل وهو لا يستطيع التفرقة بين فاتورة الكهرباء وقسط الدواء، أو بين التزامات المدارس وأقساط الحياة نفسها؟.
لقد لجأ المواطن إلى العزلة طواعية… جلس على المقهى، أو انسحب إلى شاشة هاتفه، أو عاد إلى أرشيف الذكريات حيث كان "الأمل" لا يزال مفهوماً.
تأملاته اليومية باتت خليطًا من "بُكرة أحلى" و"هنعدي المرحلة" و"جاي الفرج"، لكنها تحوّلت في النهاية إلى أناشيد صبر أكثر منها حقائق واقعية.
المواطن لم يعُد غائبًا فحسب، بل مختفٍ قسريًا بين التزامات متراكمة، وقرارات مُعلّقة، ووعود مؤجلة.
ومع ذلك… لا يزال واقفًا.
لايزال يُلقي النكات، ويبتسم حين يُسأل عن حاله، ويقول، بمنتهى الإيمان: "ربنا يستر".