23 ديسمبر 2025

توصلت الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلى اتفاق يقضي بخفض التصعيد ووقف تبادل الهجمات في مدينة حلب، وذلك عقب موجة عنف شهدتها المدينة خلال الساعات الماضية، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، بينهم أطفال وعناصر من فرق الدفاع المدني، وسط مخاوف من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة أوسع قد تعرقل مسار الاستقرار الهش في البلاد.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية، في بيان رسمي، إنها أصدرت تعليمات واضحة لكافة وحداتها بوقف تبادل الهجمات مع القوات الحكومية، وذلك في أعقاب اتصالات جرت بين الطرفين في إطار مساعٍ لخفض التصعيد ومنع توسع دائرة العنف داخل الأحياء السكنية في مدينة حلب. وأكد البيان أن الاتصالات لا تزال مستمرة لضمان تثبيت التهدئة ومعالجة أسباب التوتر الأخيرة.
في المقابل، أعلنت وزارة الصحة السورية مقتل شخصين وإصابة عدد آخر بجروح متفاوتة، جراء قصف قالت إن قوات سوريا الديمقراطية نفذته على أحياء سكنية في مدينة حلب. وأوضحت الوزارة أن من بين المصابين طفلين، إضافة إلى اثنين من العاملين في الدفاع المدني، ما أثار حالة من الغضب والقلق بين السكان المحليين، ودفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات احترازية عاجلة.
وتأتي هذه التطورات بعد ساعات من تصريحات لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، خلال زيارته إلى دمشق، قال فيها إن قوات سوريا الديمقراطية لا تبدو ملتزمة بالوفاء بتعهدها الاندماج في القوات المسلحة السورية بحلول الموعد النهائي المتفق عليه مع نهاية العام الجاري. واعتُبرت هذه التصريحات بمثابة عامل إضافي ساهم في تصعيد التوتر، لا سيما في ظل حساسية الملف الكردي بالنسبة لتركيا.
وتنظر أنقرة إلى قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا، على أنها منظمة إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني. وسبق لتركيا أن حذرت من أنها قد تلجأ إلى الخيار العسكري إذا لم تلتزم «قسد» بالاتفاقات المطروحة، وهو ما يثير مخاوف من تدخل إقليمي جديد يزيد من تعقيد المشهد السوري.
ويرى مراقبون أن دمج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة السورية قد يشكل خطوة مفصلية لإنهاء أعمق انقسام متبقٍ في البلاد بعد أكثر من 14 عامًا من الحرب. إلا أن تعثر هذا المسار ينذر باندلاع صراع مسلح جديد، قد يبدد فرص التعافي والاستقرار، ويعيد سوريا إلى مربع المواجهات المفتوحة، مع احتمالات تدخل عسكري تركي في حال تصاعد التوتر مع الفصائل الكردية.
وخلال الأيام الماضية، تبادل الطرفان الاتهامات بالمماطلة وسوء النية. ففي حين تؤكد الحكومة السورية ضرورة بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي، تتحفظ قوات سوريا الديمقراطية على التخلي عن شكل الحكم الذاتي الذي نالته خلال سنوات الحرب، بصفتها الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما أتاح لها السيطرة على سجون تضم عناصر من التنظيم، إضافة إلى موارد نفطية مهمة.
وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» قد نقلت في وقت سابق عن وزارة الدفاع قولها إن قوات سوريا الديمقراطية شنت هجومًا مباغتًا على مواقع لقوات الأمن والجيش في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف القوات الحكومية. غير أن «قسد» سارعت إلى نفي هذه الرواية، مؤكدة أن الهجوم نفذته فصائل تابعة للحكومة السورية، وأن هذه الفصائل استخدمت الدبابات والمدفعية في قصف الأحياء السكنية.
من جانبها، نفت وزارة الدفاع السورية اتهامات قوات سوريا الديمقراطية، مؤكدة أن الجيش كان يرد فقط على مصادر النيران، التي وصفتها بأنها صادرة عن مجموعات مسلحة كردية داخل الأحياء المذكورة.
ونقلت وكالة «رويترز» عن شهود عيان في حلب قولهم إن المدينة شهدت سماع أصوات مدفعية وقذائف هاون، إلى جانب انتشار كثيف لقوات الجيش في عدة مناطق. وقال أحد الشهود: «نسمع أصوات قصف متواصل وانتشارًا عسكريًا كبيرًا، الوضع متوتر جدًا». فيما وصفت شاهدة أخرى المشهد بقولها: «أنا جالسة في غرفة مغلقة، أصوات ضرب قوية، الوضع مرعب».
وفي ظل هذه الأوضاع، أعلن محافظ حلب تعليق الدراسة مؤقتًا في جميع المدارس والجامعات الحكومية والخاصة ليوم الثلاثاء، إضافة إلى إغلاق عدد من المكاتب الحكومية في وسط المدينة، في خطوة تهدف إلى حماية المدنيين وتقليل المخاطر إلى حين استقرار الأوضاع الأمنية.