25 يونيو 2025
منذ أن طرح تشارلز داروين نظريته البيولوجية حول "الانتقاء الطبيعي" في القرن التاسع عشر، والعالم يعيد تعريف مفاهيم البقاء والتطور، ليس فقط بيولوجيًا، بل سياسيًا واقتصاديًا أيضًا. وفي زمن العولمة والتسابق نحو الموارد والنفوذ، تظهر ملامح جديدة لهذه "الانتقاءات" عبر الحروب والصراعات الجيوسياسية، حيث يتجلى هذا بوضوح في مشاهد الدم والنار من غزة إلى طهران وتل أبيب، تحت غطاء أيديولوجيات ومصالح تتجاوز بكثير الشعارات المعلنة.
داروين والحرب: من البقاء للأصلح إلى الاستبعاد المنظم
نظريًا، كانت رؤية داروين محايدة، تقوم على ملاحظة أن الكائنات التي تتكيف مع بيئاتها تبقى، بينما تندثر الأخرى. لكن عند إسقاط هذه النظرية على البشر والمجتمعات، اتخذت طابعًا سياسيًا عنيفًا، خصوصًا حين تم توظيفها من قبل تيارات الداروينية الاجتماعية لتبرير الاستعمار، والعنصرية، وحتى القتل والإبادة الجماعية.
اليوم، وكأن العالم يعيد صياغة هذه الفكرة، لا عبر الصراعات الطبيعية، بل من خلال هندسة الأزمات البشرية، من حروب وصراعات غذائية واقتصادية، إلى حصارات صحية ومعلوماتية. ويجب علينا كعرب ان ندرك أن ما يحدث في غزة، وفي التوتر الإيراني-الإسرائيلي، ليس بعيدًا عن هذه السياقات.
"المليار الذهبي":هل هى نظرية المؤامرة أم مشروع تقني لإدارة الكوكب بشكل أفضل؟
برز مفهوم "المليار الذهبي" في النقاشات السياسية كرمز لفكرة أن نخبة عالمية تسعى للإبقاء على مستوى رفاهية مرتفع لمليار إنسان فقط، بينما يتم تقليص، أو ضبط البقية إما عبر الحروب أو الأوبئة أو القيود الاقتصادية.
وبغض النظر عن مدى دقة هذا الطرح ومحاولات التنصل منه أمام المنصات والشعوب، فإن سلوك القوى الكبرى في إدارة الأزمات العالمية - كالتغير المناخي، والأوبئة، والحروب بالوكالة - يترك تساؤلات مشروعة:
هل ما يجري في غزة هو صراع حدود ودفاع عن النفس وناتج إرهاب، أم اختبار لإرادة الشعوب؟
هل التصعيد بين إيران وإسرائيل هو دفاع عن النفس، أم إعادة ضبط للتوازنات بما يخدم منظومة "المليار الذهبي"؟
غزة: المختبر الدموي لفكرة البقاء
في غزة، نشهد صورة عارية مجردة للصراع من أجل البقاء. المدنيون محاصرون بين آلة عسكرية ضخمة، ومقاومة لا تملك إلا أن تتأقلم مع واقع الموت اليومي. فأصبحت الأرواح تتهاوى ما بين فقد الوطن أو فقد الأهل والأحبة. لكن الأهم، أن غزة أصبحت أيقونة للإرادة والصمود، وهو ما لا يناسب منطق "الانتقاء"، بل يخرجه عن صمته تماما. ويضعف السردية التى تقر البقاء للأقوى".
إيران وإسرائيل: توازنات ما بعد داروينية؟
أما ما يحدث بين إيران وإسرائيل، فهو صراع معقد تتداخل فيه أبعاد طائفية، سياسية، وموارد الطاقة، والأهم صراع السيطرة على موارد العرب وعقولهم ، لكن الأهم أنه يُدار بحسابات دقيقة، حيث لا يُراد لطرف أن يفنى، بل أن يبقى ضمن سقف يمكن التحكم فيه، وكأننا أمام نسخة حديثة من "الانتقاء المصطنع"، يتم فيه تعديل قواعد اللعبة دون أن تنقرض القطع تمامًا.
الخاتمة: من الانتقاء إلى الإقصاء؟
ما بين نظريات التطور البيولوجي، والأطماع الاقتصادية المغلفة بلغة النخب، وما بين الدم المسكوب في غزة، والتهديدات النووية في الشرق الأوسط، يبدو أن العالم يعيد تعريف فكرة "البقاء".
لكن السؤال الأخطر يبقى: هل البقاء اليوم لمن يمتلك السلاح فقط؟ أم لمن يستطيع أن يصمد رغم محاولات إفنائه؟
وهل "المليار الذهبي" حقيقة خفية، أم فقط اسم رمزي لمستقبل يُراد له أن يكون أكثر نخبويّة... وأقل إنسانية؟