27 يونيو 2025
يُعدّ شهر محرم من الأشهر الحُرُم التي عظّمها الله تعالى، وله مكانة خاصة في الإسلام، وخاصة يوم عاشوراء، اليوم العاشر من الشهر، حيث أن النبي ﷺ كان يصومه شكرًا لله على نجاة موسى عليه السلام، وأمر بصيامه. قال ﷺ:
"صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله."
رواه مسلم ( 1162 ) .
لكنّ الطقوس التي يمارسها الشيعة الإمامية في هذا اليوم تختلف جذريًا عن هدي النبي ﷺ، حيث يحولونه إلى يوم حزن ولطم وعزاء ومآتم، تمتد من أول محرم حتى العاشر، بل إلى أربعينية الحسين.
موقف أهل السنة من هذه الطقوس
يرى علماء أهل السنة والجماعة أن ما يقوم به بعض الشيعة من لطم، ونياحة، وتطبير (إسالة الدم بضرب الرأس بالسيوف)، هو من البدع المحرّمة والمنهي عنها شرعًا.
وقد قال الشيخ عبد العزيز بن باز ( رحمه الله )
"إقامة المآتم في يوم عاشوراء من البدع التي أحدثها الرافضة، فلا أصل لها، لا في الشرع، ولا في فعل الصحابة، ولا التابعين. المطلوب من المسلم في المصائب: الصبر والاحتساب، لا النياحة واللطم."
( فتاوى ابن باز، 2/287 )
ويقول الشيخ ابن عثيمين ( رحمه الله )
"الاحتفال بالحسين باللطم، أو التطبير، أو مواكب الحزن، كل ذلك من البدع المنكرة، وهي تشبه عمل أهل الجاهلية الذين كانوا يعظّمون الموتى بهذا الأسلوب، وهي مما نهى عنه الرسول ﷺ صراحة."
( لقاء الباب المفتوح، سؤال رقم 1152 )
ويؤكد هذا الموقف ما جاء عن النبي ﷺ:
"ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية."
رواه البخاري (1294) ومسلم 103 .
ابن تيمية وأصل الطقوس الشيعية في عاشوراء
يُعدّ الإمام ابن تيمية من أبرز من تصدّى لبدع عاشوراء في كتابه "منهاج السنة النبوية"، حيث قال :
"ما يُفعل يوم عاشوراء عند بعض الناس من النياحة، واللطم، والخروج في المواكب، وضرب الصدور، هو من أعمال الجاهلية التي نهى عنها الإسلام. فليس في الشريعة شيء من ذلك."
( منهاج السنة، 4/555 )
ويضيف في "اقتضاء الصراط المستقيم"
"لم يكن السلف يعظمون عاشوراء إلا بالصيام، وأما ما يُفعل اليوم من بدع الروافض فليس من الدين في شيء."
موقف الصحابة والتابعين من مقتل الحسين
أهل السنة يُجمعون على أن الحسين رضي الله عنه مظلوم، وهو سيد من سادة الجنة، واستشهاده فاجعة عظيمة. لكن الرد الشرعي على المصائب ليس بالنياحة، بل بالصبر. ولم يُنقل عن الصحابة ولا عن أهل البيت أنهم أقاموا مآتم أو لطموا الخدود بعد استشهاد الحسين.
قال الله تعالى:
"الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون."
( البقرة: 156 )
وقال النبي ﷺ في الحديث الصحيح:
"الصبر عند الصدمة الأولى."
( رواه البخاري ومسلم )
تحذير من الفتنة واستغلال الطقوس سياسيًا
من القضايا الخطيرة التي ينبه لها علماء أهل السنة أن كثيرًا من هذه الطقوس العاشورائية تُستغل لإثارة الفتن الطائفية، والطعن في الصحابة، وتغذية الكراهية المذهبية.
وقد أفتى مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ( ضمن فتاوى رسمية سنة 2008 ) بأن:
"كل ما يُبثّ من سب للصحابة، أو تصويرهم كأعداء لأهل البيت في مناسبات عاشوراء، يُعدّ من الفتن المضللة، ولا يجوز شرعًا، لما فيه من تشويه لتاريخ الأمة وتفريق للصف."
البديل السني: صيام، عبادة، ودعاء
يرى أهل السنة والجماعة أن الاحتفاء بعاشوراء المشروع يتمثل في صيامه والتقرب إلى الله بالطاعة. بل يُستحب صيام التاسع والعاشر مخالفة لليهود، كما ثبت عن النبي ﷺ في صحيح مسلم:
"لئن بقيتُ إلى قابل لأصومن التاسع."
( رواه مسلم )
دعوة للوحدة واتباع السنة
إن الطقوس التي يمارسها بعض الشيعة في محرم لا تمت بصلة لهدي النبي ﷺ، بل هي بدع محدثة مخالفة للشرع، وللعقل، ولأهداف الشريعة. والمسلم الحق يتّبع سنة نبيه في الحزن كما في الفرح، فالإسلام دين الرحمة، لا جلد الذات، ولا إراقة الدماء دون سبب مشروع.
وعليه، فإننا ندعو إخواننا الشيعة – من باب النصيحة – إلى مراجعة هذه الطقوس في ضوء الكتاب والسنة، والاقتداء بالحسين نفسه، الذي ضحى في سبيل إصلاح الأمة، لا في سبيل تمجيد الحزن أو تحويل عاشوراء إلى مأساة أبدية.
قال الإمام مالك رحمه الله :
" لن يُصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها."