05 يوليو 2025
كان من المفترض أن يكون الإعلام ضمير الأمة الحي، وسلاحها في وجه الزيف،
وصوتًا ناطقًا باسم المواطن لا باسم من يملك ريموت السلطة أو جهاز البث.
كان الإعلامي يُنظر إليه كقامة، لا كسلعة. وكانت الشاشة نافذة للوعي، لا بوابة للإعلانات والتطبيل.
لكن شيئًا ما انكسر في الطريق.. منذ أن تحولت القنوات إلى مشاريع تجارية،
وخرج الهواء للبيع لمن يملك المال لا الفكر، انتقلت العدوى، وبدأت الغيبوبة.
غيبوبة بدأت ناعمة، على استحياء، ثم استراحت في العلن.
شاشة بلا وقار، وميكروفون بلا ميثاق، وضيف يصرخ في وجه المشاهد لا ليقنعه،
بل ليستعرض "عضلاته الكلامية"، فيما يُكتفى من المذيع بهز الرأس وابتسامة مدروسة.
لقب "الإعلامي" لم يعد نتيجة مشوار، بل مجرد بطاقة تعريف تُمنح لكل من يملك بدلة داكنة وصوت جهور وابتسامة معدنية.
صار الإعلام أقرب إلى عروض السيرك منه إلى مهنة الرأي والرأي الآخر. تحوّل المذيع إلى نجم، والضيف إلى "شو"،
والمشاهد إلى متلقٍ مشوش لا يعرف هل ما يُقال تحليل أم إعلان، توجيه أم تهريج.
والمفارقة أن بعض هؤلاء لا يجيد التفرقة بين الخبر والرأي، ولا بين التقرير الصحفي ومنشورات الفيسبوك.
ومع ذلك، يتصدرون الشاشات، يفتون في الاقتصاد، ويشخّصون السياسة، ويشرحون الدين على طريقة: "قالوا لي قال"،
ثم يختمون الحلقة بجملة وطنية رنانة تُكتب في أعلى الشاشة، وتُمحى من الذاكرة مع أول إعلان فوط صحية.
لقد دخل الإعلام في غيبوبة مركبة، لا تنفع معها تنشيطات، ولا جلسات إفاقة.
لأن من بيدهم جهاز الصدمات الكهربائية هم أنفسهم من تسببوا في توقف القلب.
الإعلام مات إكلينيكيًا، لكن لا أحد يملك شجاعة إعلان الوفاة... الكل ينتظر معجزة، أو "صفقة إنتاج" جديدة.
ولأن الغيبوبة لا تعني الصمت فقط، بل تعني غياب الوعي... فإن أخطر ما نواجهه اليوم، ليس فقط إعلامًا عاجزًا،
بل إعلامًا مزيفًا يملك الجرأة على مخاطبة العقول وهو لا يملك أدنى درجات العقل.
ويبقى السؤال معلقًا في فضاء الضجيج:
هل آن للشاشة أن تستفيق؟ أم أن الحقيقة – كالعادة – لا تملك حق البث المباشر؟.