بحث


مصطفى زايد يكتب: معاوية بن أبي سفيان: بين التاريخ والطائفية.. كيف نقرأ الماضي دون أن نكرّس انقسام الحاضر؟

06 مارس 2025

مصطفى زايد يكتب: معاوية بن أبي سفيان: بين التاريخ والطائفية.. كيف نقرأ الماضي دون أن نكرّس انقسام الحاضر؟

في خضمّ الأحداث التي تعصف بالمنطقة العربية، وفي ظلّ الظروف السياسية والاجتماعية التي تمر بها الأمة الإسلامية، يظهر الحديث عن شخصيات تاريخية مثل معاوية بن أبي سفيان كشعلة تُضيء نفق الطائفية الذي طالما مزّق جسد الأمة. فمع عرض أولى حلقات مسلسل يتناول سيرة معاوية، انتشرت ردود فعل متباينة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما بين مؤيد ورافض، ما بين من يرى في المسلسل محاولة لتسليط الضوء على التاريخ، ومن يراه إثارةً للفتنة وتكريسًا للانقسام.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل الحديث عن معاوية أو غيره من الشخصيات التاريخية هو ما نحتاجه في هذا التوقيت الحرج؟ أم أننا نغوص في الماضي بينما الحاضر يتطلّب منا وحدةً وصمودًا أمام التحديات التي تواجهنا؟
معاوية بن أبي سفيان، أحد أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي، ترك إرثًا كبيرًا من الآراء المتباينة حوله. فمن يراه رجل دولةٍ حكيمًا، أسس لنظام حكمٍ استمر لعقود، ومن يراه رمزًا للانقسام الذي شقّ صفوف المسلمين. لكنّ الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن معاوية قد رحل، وحسابه عند الله، وما بقي لنا هو قراءة التاريخ بموضوعية، دون أن نسمح له بأن يكون أداةً لتكريس الانقسامات الطائفية التي تُضعفنا.
في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة، خاصة مع دخول شهر رمضان، شهر الرحمة والمغفرة والتضرع إلى الله، نجد أنفسنا أمام تحدٍّ كبير: كيف نقرأ التاريخ دون أن نسمح له بأن يُلهينا عن حاضرنا؟ كيف نتعامل مع شخصيات مثل معاوية دون أن نتحوّل إلى خصومٍ في معارك وهمية، بينما أعداء الأمة يتربّصون بها؟
الطائفية، ذلك النفق المظلم الذي يبتلع كلّ من يدخله، هي أخطر ما نواجهه اليوم. فبدلًا من أن نناقش التاريخ بموضوعية، نجد أنفسنا نُسقط أحداث الماضي على واقعنا، فنُحيل الخلافات الفكرية والسياسية إلى صراعات مذهبية وطائفية. وهذا بالضبط ما تسعى إليه القوى الخارجية التي تعمل على تقسيم الأمة وتفتيت أراضيها. فبدلًا من أن نكون أمةً واحدة، نجد أنفسنا مشتّتين بين مذاهب وطوائف، كلٌّ يرى نفسه على حقّ، ويرى الآخر على باطل.
لكنّ الحلّ ليس في تجاهل التاريخ، بل في قراءته بوعي. فالتاريخ ليس ساحةً للصراع، بل هو مرآة نرى فيها أخطاءنا ونستلهم منها الدروس. معاوية، كغيره من الشخصيات التاريخية، له إيجابياته وسلبياته، وعلينا أن نتعامل مع سيرته بموضوعية، دون أن نسمح لها بأن تكون سببًا في إثارة الفتنة.
في هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان، الذي يجمع المسلمين على صلاةٍ واحدةٍ ودعاءٍ واحد، علينا أن نتذكر أن ما يوحدنا أكبر بكثير مما يفرقنا. فبدلًا من أن ننشغل بخلافات الماضي، علينا أن نركّز على حاضرنا، على كيفية مواجهة التحديات التي تواجه أمتنا، على كيفية التصدي للمخططات الخارجية التي تهدف إلى استعمار أراضينا وتفتيت وحدتنا.
فليكن رمضان هذا العام فرصةً لنا كي نلمّ شملنا، كي نتعلم من التاريخ دون أن نسمح له بأن يُلهينا عن حاضرنا. فلنقرأ سيرة معاوية وغيره من الشخصيات بوعي، ولنترك الحساب لله، ولنركّز على بناء مستقبلٍ أفضل لأمتنا، مستقبلٍ تقف فيه الأمة الإسلامية كالجسد الواحد، قويةً موحّدة، قادرةً على مواجهة أيّ تحدٍّ يعترض طريقها.
فهل نستطيع أن نخرج من نفق الطائفية؟ هل نستطيع أن نقرأ التاريخ دون أن نكرّس الانقسام؟ الإجابة تكمن في أيدينا، وفي قدرتنا على أن نتعلم من الماضي دون أن نسمح له بأن يُسيطر على حاضرنا ومستقبلنا.


رمضان مصطفى زايد
شاهد أيضًا
بشري غالي…نموذج مشرف يجمع بين الكفاءة المهنية والخلق الرفيع

بشري غالي…نموذج مشرف يجمع بين الكفاءة المهنية والخلق الرفيع

14 ديسمبر 2025
يحيى الشربيني يكتب: إيران على حافة الانهيار: أزمات داخلية وضغوط إقليمية لا تنتهي

يحيى الشربيني يكتب: إيران على حافة الانهيار: أزمات داخلية وضغوط إقليمية لا تنتهي

13 ديسمبر 2025
الحسين عبدالرازق تكتب: دولة التلاوة في دولة التلاوة!

الحسين عبدالرازق تكتب: دولة التلاوة في دولة التلاوة!

10 ديسمبر 2025
الحسين عبد الرازق يكتب: قرار حكيم لوزير التعليم!

الحسين عبد الرازق يكتب: قرار حكيم لوزير التعليم!

02 ديسمبر 2025
سماح صادق قناوي تكتب: غيوم قاسية

سماح صادق قناوي تكتب: غيوم قاسية

02 ديسمبر 2025
سماح صادق قناوي تكتب: احمرُ الوجع

سماح صادق قناوي تكتب: احمرُ الوجع

19 نوفمبر 2025
الحسين عبد الرازق يكتب: قراءة في كلمة الرئيس

الحسين عبد الرازق يكتب: قراءة في كلمة الرئيس

19 نوفمبر 2025
عبدالمنعم ابراهيم يكتب :افتتاح محطات موانئ بورسعيد إنجاز استراتيجي يرسّخ مكانة مصر اللوجستية عالمياً

عبدالمنعم ابراهيم يكتب :افتتاح محطات موانئ بورسعيد إنجاز استراتيجي يرسّخ مكانة مصر اللوجستية عالمياً

16 نوفمبر 2025
إبراهيم عمران يكتب: العمدة هاشم محمد هاشم… حضور مجتمعي ممتد ورهان أهالي المراغة في جولة الإعادة 2025

إبراهيم عمران يكتب: العمدة هاشم محمد هاشم… حضور مجتمعي ممتد ورهان أهالي المراغة في جولة الإعادة 2025

15 نوفمبر 2025
د.شيرين علوان تكنب: الخليّة الفدائيّة… حين يتحوّل حارس الجسد إلى خصمٍ شرس

د.شيرين علوان تكنب: الخليّة الفدائيّة… حين يتحوّل حارس الجسد إلى خصمٍ شرس

14 نوفمبر 2025
د.أحمد صفوت السنباطي يكتب: الصراع الخفي على موارد الفضاء والقوانين الكونية

د.أحمد صفوت السنباطي يكتب: الصراع الخفي على موارد الفضاء والقوانين الكونية

13 نوفمبر 2025
إبراهيم عمران يكتب: «شاعر المليون».. منبر يُجدد روح الشعر ويحتفي بالمواهب الأصيلة

إبراهيم عمران يكتب: «شاعر المليون».. منبر يُجدد روح الشعر ويحتفي بالمواهب الأصيلة

12 نوفمبر 2025
هويدا درويش تكتب: ياما كان فى نفسي

هويدا درويش تكتب: ياما كان فى نفسي

11 نوفمبر 2025
منال محمد تكتب: حياة بتموت

منال محمد تكتب: حياة بتموت

11 نوفمبر 2025
يحيى الشربيني يكتب: قرارٌ غامض يهزّ المنطقة… لماذا اختارت كازاخستان الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية في هذا التوقيت الحارق؟

يحيى الشربيني يكتب: قرارٌ غامض يهزّ المنطقة… لماذا اختارت كازاخستان الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية في هذا التوقيت الحارق؟

07 نوفمبر 2025
عيد فؤاد يكتب: حلم الأهالي..”مشروع الأجيال” تدشين مركز شباب

عيد فؤاد يكتب: حلم الأهالي..”مشروع الأجيال” تدشين مركز شباب

07 نوفمبر 2025
الحسين عبدالرازق يكتب: بين ترامب وممداني.. نيويورك على أعتاب مرحلة جديدة

الحسين عبدالرازق يكتب: بين ترامب وممداني.. نيويورك على أعتاب مرحلة جديدة

07 نوفمبر 2025
رقية فريد تكتب: «مصر».. أرض الكنانة والخلود

رقية فريد تكتب: «مصر».. أرض الكنانة والخلود

01 نوفمبر 2025
سماح صادق قناوي تكتب: خفاء قلب

سماح صادق قناوي تكتب: خفاء قلب

31 اكتوبر 2025
يحيى الشربيني يكتب: النيل لا يعرف الحدود.. مصر تتحرك لحماية السودان من الانهيار

يحيى الشربيني يكتب: النيل لا يعرف الحدود.. مصر تتحرك لحماية السودان من الانهيار

29 اكتوبر 2025
التعليقات