بحث


مصطفى زايد يكتب: الشيخ أحمد الرفاعي: عبقرية التصوف المتوازن بين الشريعة والحقيقة*

19 مارس 2025

مصطفى زايد يكتب: الشيخ أحمد الرفاعي: عبقرية التصوف المتوازن بين الشريعة والحقيقة*

الشيخ أحمد الرفاعي، ذلك العَلَم الشامخ في سماء التصوف الإسلامي، لم يكن مجرد صوفي عابر، بل كان عالماً جليلاً، ومربياً روحياً، وقائداً اجتماعياً، جمع بين العلم الشرعي والحال الروحي، فكان بذلك نموذجاً فريداً للعالم العامل الذي يسعى إلى تزكية النفس وتربية القلب. لقد كان منهجه التصوفي منهجاً متوازناً، يجمع بين الشريعة والحقيقة، بين الظاهر والباطن، بين العلم والعمل، بين الفقه والتصوف، فكان بذلك نوراً يهدي إلى الحقيقة، وسبيلاً يوصل إلى الله تعالى.  

 

نشأ الشيخ أحمد الرفاعي في بيئة علمية صوفية، حيث تلقى العلم على يد كبار العلماء والصوفية في عصره، فنهل من معين العلم الشرعي، وتشرب من روحانية التصوف، فكانت شخصيته مزيجاً فريداً من العلم والروحانية. لقد أدرك منذ البداية أن التصوف الحقيقي لا يمكن أن يكون منفصلاً عن الشريعة، بل هو جزء لا يتجزأ منها، فكان يدعو إلى التمسك بالكتاب والسنة، ويرفض كل ما يخالفهما من بدع وممارسات خاطئة. كان يرى أن التصوف هو تطهير القلب من الأخلاق الذميمة، وتحليته بالأخلاق الحميدة، وأنه لا يمكن أن يكون هناك تصوف حقيقي دون التزام بالشريعة الإسلامية.  

 

كان منهج الشيخ أحمد الرفاعي في التصوف منهجاً تربوياً يعتمد على تزكية النفس وتربية القلب، فكان يرى أن الغاية من التصوف هي الوصول إلى الله تعالى عن طريق تطهير القلب من الأدران، وتحليته بالصفات الحسنة. لقد كان يؤكد على أهمية المجاهدة النفسية، والمراقبة القلبية، والذكر الدائم، فكان يقول: "الذكر قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وسر الحياة". وكان يرى أن الذكر ليس مجرد ترديد الألفاظ، بل هو حضور القلب مع الله تعالى، واستشعار قربه في كل لحظة. لقد كان يربي أتباعه على أن يكونوا مع الله في كل حال، وأن يجعلوا حياتهم كلها عبادةً وخضوعاً لله تعالى.  

 

ومن أبرز ملامح منهجه التصوفي التواضع والزهد في الدنيا، فكان الشيخ أحمد الرفاعي نموذجاً للزاهد الذي لا يلتفت إلى زخارف الدنيا، ولا يغتر بملذاتها. لقد كان يعيش حياة بسيطة، بعيدة عن الترف والبذخ، وكان يدعو أتباعه إلى التمسك بالزهد، وعدم الانشغال بالدنيا عن الآخرة. وكان يقول: "الزهد ليس بتحريم الحلال، ولا بإضاعة المال، ولكن الزهد أن لا تكون بما في يدك أوثق مما في يد الله". لقد كان يرى أن الزهد الحقيقي هو أن تكون الدنيا في يدك وليس في قلبك، وأن تكون متجهاً بقلبك إلى الله تعالى، دون أن تنشغل بالدنيا عن الآخرة.  

 

كما تميز منهجه بالاهتمام بالجانب الاجتماعي، فكان الشيخ أحمد الرفاعي لا يقتصر على تربية الأفراد روحياً، بل كان يعمل على إصلاح المجتمع ككل. لقد كان يدعو إلى التعاون والتآلف بين الناس، وإلى مساعدة الفقراء والمحتاجين، وإلى نشر المحبة والسلام بين الجميع. وكان يؤكد على أهمية الأخوة الإيمانية، فكان يقول: "المؤمنون إخوة، فلا ينبغي أن يتفرقوا، ولا أن يتنازعوا، بل يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى". لقد كان يرى أن التصوف ليس انعزالاً عن المجتمع، بل هو مشاركة فعالة في إصلاحه وتربيته.  

 

وكان من أبرز سمات منهجه التصوفي أيضاً التسامح والرحمة، فكان الشيخ أحمد الرفاعي يعامل الناس جميعاً برحمة وتسامح، بغض النظر عن اختلافاتهم. لقد كان يرى أن الرحمة هي جوهر الدين، وأن التسامح هو سبيل الوصول إلى قلوب الناس. وكان يقول: "الرحمة هي التي تجمع القلوب، والتسامح هو الذي يمحو العداوات". لقد كان يعلم أن القلوب لا تُفتح إلا بالرحمة، وأن النفوس لا تُقبل على الله إلا بالتسامح والمحبة.  

 

لقد ترك الشيخ أحمد الرفاعي إرثاً روحياً عظيماً، لا يزال يؤثر في حياة الملايين من المسلمين حتى يومنا هذا. لقد كان منهجه التصوفي منهجاً شاملاً، يجمع بين العلم والروحانية، بين الفقه والتصوف، بين الشريعة والحقيقة. لقد كان نوراً يهدي إلى الحقيقة، وسبيلاً يوصل إلى الله تعالى. لقد كان الشيخ أحمد الرفاعي نموذجاً للتصوف المتوازن، الذي لا يغفل عن العلم الشرعي، ولا يهمل الجانب الاجتماعي، ولا ينسى أهمية تزكية النفس وتربية القلب.  

 

في النهاية، يمكن القول إن عبقرية الشيخ أحمد الرفاعي تكمن في قدرته على الجمع بين مختلف جوانب الدين الإسلامي، فجعل من التصوف طريقاً عملياً لتزكية النفس وتربية القلب، دون أن يغفل عن أهمية العلم الشرعي والعمل الاجتماعي. لقد كان منهجه التصوفي منهجاً متوازناً، يعتمد على الكتاب والسنة، ويركز على تربية النفس، ويهدف إلى إصلاح الفرد والمجتمع. ولذلك، يبقى الشيخ أحمد الرفاعي نموذجاً يحتذى به في التصوف الإسلامي، وعلماً من أعلام الروحانية الإسلامية الذين تركوا أثراً عميقاً في تاريخ الأمة الإسلامية.


مصطفى زايد الرفاعي احمد الرفاعي التصوف الشريعة
شاهد أيضًا
عبدالمنعم إبراهيم يكتب: التحرش: كيف نواجهه دون تخويف الضحية؟!..ياسين سبايدرمان.

عبدالمنعم إبراهيم يكتب: التحرش: كيف نواجهه دون تخويف الضحية؟!..ياسين سبايدرمان.

01 مايو 2025
عبدالمنعم إبراهيم يكتب: انتخابات نقابة الصحفيين 2025 بين مؤيد و معارض

عبدالمنعم إبراهيم يكتب: انتخابات نقابة الصحفيين 2025 بين مؤيد و معارض

28 ابريل 2025
عبدالمنعم إبراهيم يكتب: سوق السيارات في مصر.. أزمة ثقة أم بداية انتعاش؟

عبدالمنعم إبراهيم يكتب: سوق السيارات في مصر.. أزمة ثقة أم بداية انتعاش؟

26 ابريل 2025
عبدالمنعم إبراهيم يكتب: حسني مبارك... بطل المعركة الدبلوماسية لتحرير سيناء

عبدالمنعم إبراهيم يكتب: حسني مبارك... بطل المعركة الدبلوماسية لتحرير سيناء

25 ابريل 2025
عبدالمنعم إبراهيم يكتب: القنوات التي تبيع الهواء في مصر

عبدالمنعم إبراهيم يكتب: القنوات التي تبيع الهواء في مصر

24 ابريل 2025
رؤية إنطباعية لكتاب «مأساة إحدى وعشرين ملكة» للكاتبة الدكتورة رشا فاروق

رؤية إنطباعية لكتاب «مأساة إحدى وعشرين ملكة» للكاتبة الدكتورة رشا فاروق

23 ابريل 2025
يحيى الشربيني يكتب : التمدد التركي في أفريقيا .. استراتيجية النفوذ والتوسع الناعم في القارة السمراء

يحيى الشربيني يكتب : التمدد التركي في أفريقيا .. استراتيجية النفوذ والتوسع الناعم في القارة السمراء

23 ابريل 2025
مصطفى زايد يكتب: النبي الأحمر في نبوءة أنجيل برنابا.. كيف أرعب السيد البدوي جيوش الصليبيين؟

مصطفى زايد يكتب: النبي الأحمر في نبوءة أنجيل برنابا.. كيف أرعب السيد البدوي جيوش الصليبيين؟

16 ابريل 2025
يحيى الشربيني يكتب: إيران في مهب الريح : بين تصدعات الداخل وضغوط الخارج

يحيى الشربيني يكتب: إيران في مهب الريح : بين تصدعات الداخل وضغوط الخارج

09 ابريل 2025
مصطفى زايد يكتب: الذكر الليثي.. رقصة الروح في الجنوب المصري

مصطفى زايد يكتب: الذكر الليثي.. رقصة الروح في الجنوب المصري

09 ابريل 2025
صبرة القاسمي يكتب: نحو فجر جديد.. بكلمات النور نحمي شبابنا ومجتمعنا..  إهداء وتقدير لفضيلة المفتي

صبرة القاسمي يكتب: نحو فجر جديد.. بكلمات النور نحمي شبابنا ومجتمعنا..  إهداء وتقدير لفضيلة المفتي

07 ابريل 2025
الباحث في الشأن الصوفي مصطفى زايد يكتب:  الرد الشرعي على فتوى ياسر برهامي بعدم جواز نصرة أهل غزة بسبب المعاهدات

الباحث في الشأن الصوفي مصطفى زايد يكتب:  الرد الشرعي على فتوى ياسر برهامي بعدم جواز نصرة أهل غزة بسبب المعاهدات

06 ابريل 2025
يحيى الشربيني يكتب: انهيار دولة إسرائيل من الداخل.. الأسباب والمآلات

يحيى الشربيني يكتب: انهيار دولة إسرائيل من الداخل.. الأسباب والمآلات

01 ابريل 2025
د.إنجى البسيونى تكتب: رؤيتى الفنية والتاريخية لمسلسل معاوية

د.إنجى البسيونى تكتب: رؤيتى الفنية والتاريخية لمسلسل معاوية

29 مارس 2025
د.شيرين الشافعي تكتب: المرأة المصرية قوة حقيقية وإنجازات مستمرة

د.شيرين الشافعي تكتب: المرأة المصرية قوة حقيقية وإنجازات مستمرة

19 مارس 2025
مصطفى زايد يكتب: أحمد التونى.. سلطان المدّاحين الذي لن يغيب

مصطفى زايد يكتب: أحمد التونى.. سلطان المدّاحين الذي لن يغيب

18 مارس 2025
يحيى الشربيني يكتب: الأكراد في سوريا.. من التهميش إلى الشراكة الوطنية

يحيى الشربيني يكتب: الأكراد في سوريا.. من التهميش إلى الشراكة الوطنية

12 مارس 2025
مصطفى زايد يكتب: مشروبات الصوفية.. سر القهوة والمشروبات الروحية في مجالس الذكر

مصطفى زايد يكتب: مشروبات الصوفية.. سر القهوة والمشروبات الروحية في مجالس الذكر

11 مارس 2025
د.مروة الشناوي تكتب: هل المعالج النفسي لازم يكون مثالي؟!

د.مروة الشناوي تكتب: هل المعالج النفسي لازم يكون مثالي؟!

11 مارس 2025
مصطفى زايد يكتب: معاوية بن أبي سفيان: بين التاريخ والطائفية.. كيف نقرأ الماضي دون أن نكرّس انقسام الحاضر؟

مصطفى زايد يكتب: معاوية بن أبي سفيان: بين التاريخ والطائفية.. كيف نقرأ الماضي دون أن نكرّس انقسام الحاضر؟

06 مارس 2025
التعليقات